شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب العاقلة

          ░24▒ باب: الْعَاقِلَةِ.
          فيه: أَبُو جُحَيْفَةَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا ☺ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِمَّا لَيْسَ في الْقُرْآنِ، وَقَالَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: والذي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا في الْقُرْآنِ، إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ في كِتَابِ الله، وَمَا في الصَّحِيفَةِ، قُلْتُ: وَمَا في الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأسِيرِ، وَألَّا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. [خ¦6903]
          أجمع العلماء على القول بالعقل في الخطأ لثبات ذلك عن النبيِّ صلعم، وقد روى مالكٌ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عَمْرو بن حزمٍ عن أبيه أنَّ في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلعم لعمرو بن حزمٍ في العقول: ((أنَّ في النفس مائةً من الإبل، وفي الأنف إذا ادَّعى جدعًا مائةٌ من الإبل، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة مثلها، وفي العين خمسون، وفي اليد خمسون، وفي كلِّ أصبعٍ ممَّا هنالك عشرٌ من الإبل، وفي السنِّ خمسٌ، وفي الموضحة خمسٌ))، أرسل مالكٌ حديث العقول، وزاد فيه معمرٌ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عَمْرو بن حزمٍ، عن أبيه، عن جدِّه، إن كان جدُّه لم يدرك النبيَّ صلعم وإنَّما الذي أدركه عَمْرو بن حزمٍ، وفي إجماع العلماء على القول به ما يغني عن الإسناد فيه.
          واختلف العلماء في هذا الحديث في الإبهام وفي الأسنان على ما تقدَّم قبل هذا، وأجمعوا على ما في سائر الحديث من الديات، قال وجعل النبيُّ صلعم في النفس مائةً من الإبل، وقوَّمها عُمَر بن الخطَّاب ☺ بالذهب والوَرِق، فجعل على أهل الذهب ألف دينارٍ، وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم.
          وقال مالكٌ: أهل الذهب أهل الشام ومصر، وأهل الورق أهل العراق، كان صرفهم ذلك الوقت الدينار باثني عشر درهمًا، وكانت قيمة الإبل ألف دينارٍ، وإنَّما تقوَّم الأشياء بالذهب والورق خاصَّةً على ما صنع عمر، هذا قول مالكٍ والليث والكوفيِّين وأحد قولي الشافعيِّ.
          وقال أبو يوسف ومحمَّدٌ: يؤخذ في الدية أيضًا البقر والخيل والشاة، وروي عن عمر أيضًا، وبه قال الفقهاء السبعة المدنيُّون.
          وقد قال مالكٌ: لا يؤخذ في الدية بقرٌ ولا غنمٌ ولا خيلٌ إلَّا أن يتراضوا بذلك فيجوز، ولو جاز أن يقوَّم بالشاة والبقر والخيل لوجب تقويمها على أهل الخيل بالخيل وعلى أهل الطعام بالطعام، وهذا لا يقوله أحدٌ.
          وأجمعوا أنَّ الدية تُقَطَّع في ثلاث سنين للتخفيف على العاقلة ليجمعوها في هذه المدَّة، وقد تقدَّم في الكلام في معنى حديث عليٍّ في كتاب العلم فأغنى عن إعادته. [خ¦111]