شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: من طلب دم امرئ بغير حق

          ░9▒ باب: مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
          فيه ابْنُ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: (أَبْغَضُ النَّاسِ إلى اللهِ ╡: مُلْحِدٌ في الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ في الإسْلامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ). [خ¦6882]
          قال المُهَلَّب: قوله: (أَبْغَضُ النَّاسِ إلى اللهِ) لا يجوز أن يكون هؤلاء أبغض إلى الله من أهل الكفر، وإنَّما معناه أبغض أهل الذنوب ممَّن هو من جملة المسلمين، وقد عظَّم الله تعالى الإلحاد في الحرم في كتابه فقال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحج:25]فاشترط أليم العذاب لمن ألحد في الحرم زائدًا على عذابه لو ألحد في غير الحرم، وقيل: كلُّ ظالمٍ فيه ملحدٌ.
          وقال عُمَر بن الخطَّاب: احتكار الطعام بمكَّة إلحادٌ، وقال أهل اللغة: والمعنى: ومن يرد فيه إلحادًا بظلمٍ، والباء زائدةٌ.
          وقال الزجَّاج: مذهبنا أنَّ الباء ليست بزائدةٍ، والمعنى: ومن أراد فيه بأن يلحد بظلمٍ، ومعنى الإلحاد في اللغة: العدول عن القصد.
          فأمَّا المبتغي في الإسلام سنَّة الجاهليَّة فهو طلبهم بالذُّحُول غير القاتل وقتلهم كلَّ من وجدوا من قَبِيله، ومنها: انتهاك المحارم واتِّباع الشهوات؛ لأنَّها كانت مباحةً في الجاهليَّة، فنسخها الله تعالى بالإسلام وحرَّمها على المؤمنين، وقال ◙: ((قُيِّد الفتك لا يفتك مؤمنٌ)).
          ومنها: النياحة والطِيَرة والكهانة وغير ذلك، وقد قال صلعم: ((من رغب عن سنَّتي فليس منِّي)).
          وأمَّا إثم الدم الحرام فقد عظَّمه الله تعالى في غير موضعٍ من كتابه، وعلى لسان رسوله صلعم حتَّى(1) قال بعض الصحابة: إنَّ القاتل لا توبة له. وقد ذكرنا مذاهب أهل العلم في ذلك في أوَّل كتاب الحدود. [خ¦6861]


[1] في (ز): ((حجة)) والمثبت من المطبوع والتوضيح لابن الملقن.