عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام
  
              

          ░27▒ (ص) بَابُ مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ ما كان السَّلفُ مِنَ الصحابة والتَّابِعينَ يدَّخرون في بيوتهم، ليتقوَّتونَ في المستقبل في الحضر، ويدَّخرونَ أيضًا بالتزوُّد في أسفارهم لكفاية مدَّةٍ مِنَ الأيام.
          قوله: (مِنَ الطَّعَامِ) يتعلَّق بقوله: (يَدَّخِرُونَ) وكلمة (مِن) فيه بيانيَّةٌ؛ أي: مِن أنواع الطعام، مِن أيِّ طعامٍ كان، ومِنَ اللَّحم بأنواعه، وغير ذلك مِمَّا يُدَّخر ويُحفَظ لِما سيأتي مِنَ الأوقات، وأراد البُخَاريُّ بهذا الردَّ على الصوفيَّة ومَن يذهب إلى مذهبهم في قولهم: إنَّهُ لا يجوز ادِّخار طعامٍ لغدٍ، وإنَّ المؤمن الكامل الإيمان لا يستحقُّ اسم الولاية حَتَّى يتصدَّق بما يفضل عن شبعه، ولا يترك طعامًا لغدٍ، ولا يصبح عنده شيءٌ مِن عَينٍ ولا عَرَضٍ، ويمسي كذلك، ومَن خالف ذلك فقد أساء الظَّنَّ بربِّه، ولم يتوكَّل عليه حقَّ توكُّله، وقد جاء في الأخبار الثابتة بادِّخار الصحابة وتزوُّد الشارع وأصحابِه في أسفارهم، وقد ثبت أنَّ النَّبِيَّ صلعم كان ينفق على أهله نفقةَ سَنَتِهِم مِمَّا أفاء الله عليه مِن بني النضير، على ما سلف في (كتاب الخُمْس) وفيه مقنعٌ وحجَّةٌ كافيةٌ في الردِّ عليهم.
          (ص) وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ ☻: صَنَعْنَا لِلنَّبِيِّ صلعم وَلِأَبِي بَكْرٍ ☺ سُفْرَةً.
          (ش) مطابقة هذا التعليق للترجمة ظاهرةٌ؛ لأنَّ صنع عائشة وأسماء السفرةَ كانت حين سافر النَّبِيُّ صلعم / وأبو بكرٍ معه إلى المدينة مهاجِرَين، وقد مرَّ في (باب هجرة النَّبِيِّ صلعم وأصحابه إلى المدينة) في حديثٍ طويلٍ: قالت عائشة: فجهَّزناهما أحبَّ الجهاز ووضعنا لهما سفرةً في جرابٍ... الحديث، وهذا مِن أقوى الحجج لجواز التزوُّد للمسافرين، و(أَسْمَاء) بنت أبي بكر، وأخت عائشة لأبٍ؛ لأنَّ أمَّ عائشة أمُّ رومان بنت عامرٍ، وأمَّ أسماء أمُّ العزَّى قيلة، ويقال: قُتَيلة، وهي شقيقة عبد الله بن أبي بكرٍ ♥ .