عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من تتبع حوالى القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية
  
              

          ░4▒ (ص) بَابُ مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ مَعَ صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ كَرَاهِيَةً.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان جواز مَن تتبَّع حَوالَي القصعة؛ أي: جوانبها، وهو بفتح اللَّام، يقال: رأيتُ الناس حَولَه وحَولَيه وحَوالَيه، واللَّام مفتوحةٌ في الكلِّ، ولا يجوز كسرها.
          قوله: (إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ) أي: مِنَ الذي يتَّبع حوالَي القصعة؛ أراد: أنَّ التتبُّع المذكور إِنَّما لا يُكرَه إذا لم يَعرف منه كراهيةً.
          فَإِنْ قُلْتَ: هذا يخالف الحديث الذي قبله في الأمر بالأكل مِمَّا يليه.
          قُلْت: حمل البُخَاريُّ هنا الجواز على ما إذا علم رضا مَن يأكل معه، وقال بعضهم: رمز البُخَاريُّ بذلك إلى تضعيف حديث عِكراش الذي أخرجه التِّرْمِذيُّ قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن بشَّارٍ: حَدَّثَنَا العلاء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سريَّة أبو الهذيل: حَدَّثَنَا عُبيد الله بن عِكراش عن أبيه عِكراش بن ذُؤَيبٍ قال: بعثني بنو مُرَّة بن عُبَيدٍ بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلعم ، فقدِمت المدينة فوجدته جالسًا بين المهاجرين والأنصار، قال: ثُمَّ أخذ بيدي فانطلق بي إلى بيت أمِّ سلمة، فقال: «هل مِن طعامٍ؟» فأُتِينَا بجفنةٍ كثيرة الثريد والوذر، فأقبلنا نأكل منها، فخبطت بيدي في نواحيها، وأكل رسول الله صلعم مِن بين يديه، فقبض بيده اليسرى على يدي اليمنى، ثُمَّ قال: «يا عكراش؛ كل مِن موضعٍ واحدٍ»، ثُمَّ أُتِينا بطبقٍ فيه ألوان التمر أو الرطب _شكَّ عُبيد الله_، فجعلت آكل مِن بين يديَّ، وجالت يد رسول الله صلعم في الطبق، قال: «يا عكراش؛ كل مِن حيث شئتَ فَإِنَّهُ غير لونٍ واحدٍ»... الحديث، ثُمَّ قال التِّرْمِذيُّ: هذا حديثٌ غريبٌ، وقد تفرَّد العلاء بهذا الحديث، وقال ابن حِبَّان: له صحبةٌ، غير أنِّي لست معتمدًا على إسناد خبره، وقال البُخَاريُّ في «التاريخ»: روى عنه العلاء بن الفضل، ولا يثبت، وقال أبو حاتمٍ: مجهولٌ، وقال ابن حِبَّان: مُنكَر الحديث.
          قُلْت: ليت شعري ما دليل هذا القائل على أنَّ البُخَاريَّ رمز هنا إلى تضعيف هذا الحديث؟