نجاح القاري لصحيح البخاري

باب زيادة الإيمان ونقصانه

          ░33▒ (باب) بالإضافة إلى قوله: (زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ) قطعاً. وجه المناسبة بين البابين أن المذكور في الباب السابق هو أحبيَّة دوام الدين إلى الله تعالى، وفي هذا الباب زيادة الإيمان ونقصانه، ولا شكَّ أن زيادة الإيمان بمداومةِ العبد على أعمال الدِّين، ونقصانه بتقصيره في ذلك.
          (وَقَوْلِ) بالجرِّ عطفاً على زيادة الإيمان (اللَّهِ تَعَالَى) وفي رواية: <╡> ({وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [محمد:17]) استدلَّ به على زيادة الإيمان؛ لأنَّ زيادة الهدى مستلزمة لزيادة الإيمان، أو المراد بالهدى هنا هو الإيمان نفسه.
          (وَقَوْلِهِ) تعالى / ({وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً} [المدثر:31]) وهاتان الآيتان تدلان على الزيادة صراحة وعلى النُّقصان بالاستلزام، فإن ما يقبل الزيادة فلا جَرَم يَقبلُ النُّقصان، وقد مرَّ ما يتعلَّق بهما فيما سبق فتذكر.
          (وَقَالَ) تعالى ({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]) أي: شرائع دينكم، فإنَّ الشَّرائع نزلت شيئاً فشيئاً طول مدَّة النُّبوة، فلما كملت الشَّرائع قبض الله نبيه صلعم . ووجه الاستدلال بهذه الآية: أنَّ الكمال مستلزم للنَّقص، واستلزامه للنَّقص يستلزم قبوله الزيادة، ومن ثمَّة قال المؤلف ☼ :
          (فَإِذَا تَرَكَ) أي: أحد، وحذف؛ للعلم به، وفي رواية: <فإذا تركت> (شَيْئاً مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ) ولا يلزم أن يكون قبل ذلك ناقصاً، وإن من مات من الصَّحابة قبل هذا اليوم كان إيمانه ناقصاً؛ لأنَّ الإيمان لم يزل تامَّاً، وإن النَّقص أمر نسبي، ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، وهذا نظيرُ قول من يقول: إنَّ شرع محمد ╕ أكمل من شرعِ موسى وعيسى ♂؛ لاشتماله من الأحكام على ما لم يقع في الكتب السابقة، ومع هذا فشرعُ موسى ◙ في زمانه كان كاملاً، وتجدد في شرع عيسى ◙ بعده ما تجدَّدَ فالأكمليَّة أمر نسبيٌّ.
          وإنما قال هنا: و ((قال))، ولم يقل: وقول الله، كما قال في الآيتين الأُولَيَيْن؛ لأنَّ الاستدلال بهذه الآية الأخيرة على الزِّيادة والنُّقصان من حيث أنَّ الكمال يستلزم النقص، والنقص يستدعي قَبول الزيادة فليست صريحة في الزيادة والنقصان بخلاف الآيتين الأًولَيين فإنهما صريحتان في الزِّيادة وإن لم تكونا صريحتين في النقصان، بل تدلان عليه التزاماً، فنبَّه بتغيير الأسلوب على تغاير كيفية الدَّلالات.