نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الجهاد من الإيمان

          ░26▒ (باب) قد مرَّ ما يتعلَّق به غير مرَّة (الْجِهَادُ) أي: القتال مع الكفَّار لإعلاء كلمة الله تعالى، وهو مبتدأ خبره (مِنَ الإِيمَانِ) أي: من شعبه. وقال ابن بطَّال: هذا كالأبواب المتقدِّمة في أنَّ الأعمال إيمان؛ لأنَّه لما كان الإيمان هو المخرجُ له في سبيله كان الخروج إيماناً، تسمية للشيءِ باسم سببه، كما قيل للمطر سماء؛ لنزوله من السَّماء، فافهم.
          ووجه المناسبة بين هذا الباب والسَّابق أن المذكور في الباب السَّابق هو قيام ليلة القدر، / وهو وإن كان ظاهر المناسبة لقيام رمضان إلا أنَّه يستدعي على محافظة تامَّةٍ، ومجاهدة زائدةٍ بمقاساة المشقَّة وترك الاختلاط بالأهل والعيال، ومع ذلك فقد يوافقها، وقد لا يوافقها، وكذلك الجهاد، وكما أن القائم ليلة القدر يجتهد أن ينال رؤية تلك الليلة ويتملَّى بها، فإن حصل له ذلك فبها، وإلَّا فيكتسب أجوراً عظيمة فكذلك المجاهد يجتهد أن ينال درجة الشُّهداء ومنزلتهم وإلَّا فيرجع بغنيمةٍ وافرةٍ مع اكتساب اسم الغازي.
          فذكر المؤلِّف باب الجهاد لذلك استطراداً، ثمَّ عاد إلى ذكر قيام رمضان وهو بالنسبة لقيام ليلة القدر عام بعد خاص، ثمَّ ذكر بعده باب الصيام؛ لأنَّ الصيام من التُّروك فأخَّره عن القيام الذي هو من الأفعال، ولأنَّ اللَّيل قبل النَّهار، ولعله أشار إلى أن القيام مشروع من أول ليلة من الشهر.