نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من الدين الفرار من الفتن

          ░12▒ (باب) يجوز فيه ما يجوز فيما سبق روايةً ودرايةً (مِنَ الدِّينِ) أي: من الإيمان، ولم يقل من الإيمان كما قال في نظائره؛ لتطابق الترجمة الحديث الذي يذكر في الباب.
          وقيل: لمَّا كان الإيمان والإسلام عنده مترادفَين، وقال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] صح إطلاق الدين في موضع الإيمان.
          (الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ) قال النَّووي: في الاستدلال بهذا الحديث للترجمة نظر؛ لأنَّه لا يلزم من لفظ الحديث عدُّ الفِرار ديناً، وإنما هو صيانة للدِّين.
          وأُجيب: بأنه لم يُرِد به الحقيقة؛ لأنَّ الفِرار ليس بدين، وإنما هو مراده أنَّ الفِرار؛ للخوف على دينه من الفتن شعبة من شعب الإيمان كما يدلُّ عليه ((من)) التبعيضيَّة. وقيل: إن أريد ((بمن)) كونها جنسيَّة أو تبعيضيَّة فالنظر متَّجه وإن أريد كونها ابتدائيَّة؛ أي: الفرار من الفتن منشؤه الدِّين فلا، فافهم.
          ووجه المناسبة بين البابين: تضمُّن الباب الأول لمعنى هذا الباب، وذلك؛ لأنَّ النُّقباء من الأنصار، بل الأنصار كلهم نصروا رسول الله صلعم وبذلوا أنفسهم وأموالهم في محبته فِراراً بدينهم من فتن الكفر والضَّلال.
          ويبيِّن في هذا الباب فضيلة ترك الاختلاط بالناس ومعاشرتهم واختيار العزلة والانقطاع فراراً بالدين من فتن الناس والاختلاط بهم.