نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}

          ░22م▒ (باب) بالتنوين، ويجوز عدمه، كما مرَّ غير مرَّة ({وَإِنْ}) للشرط، والتَّقدير: وإن اقتتل ({طَائِفَتَانِ}) الطَّائفة: القطعة من الشَّيء، والمراد بها هاهنا الفرقة من النَّاس.
          قال ابن عبَّاس ☻ : الطَّائفة: الواحد فما فوقه، فمن أوقع الطَّائفة على المفرد يريد النَّفس الطائفة. وقال مجاهدٌ: الطَّائفة: الرجل الواحد إلى الألف. وقال عطاء: أقلها رجلان. وقال الزَّجاج: الذي عندي أنَّ أقل الطَّائفة اثنان، والمختار: أنَّ أقلها ثلاثة.
          ({مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}) أي: تقاتلوا، والجمع باعتبار المعنى، فإن كلَّ طائفة جمع ({فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}) بالنُّصح والدُّعاء إلى حكم الله تعالى، والتَّثنية هنا باعتبار اللَّفظ (فَسَمَّاهُمُ) أي: سمَّى الله تعالى أهل القتال (الْمُؤْمِنِينَ) حيث قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، ثم قال بعد هذه الآية: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].
          فعلم أنَّ صاحب / الكبيرة لا يخرج عن الإيمان، ولا يستحقُّ بذلك الخلود في النَّار، كما ذهب إليه الخوارجُ وأهل الاعتزال فيكون دليلاً عليهم. فإن قيل: إنَّما سمَّاهم الله مؤمنين في الآية، وسمَّاهم النَّبي صلعم في الحديث مسلمين حال الالتقاء لا حال القتال وبعده.
          فالجواب: أن دَلالة الآية ظاهرة، فإن قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} سمَّاهم الله إخوة، وأمرَ بالإصلاح بينهما، ولأنَّهما عاصيان قبل القتال، وهو من حين سعيا إليه وقصداه.
          وأمَّا الحديث فمحمولٌ على معنى الآية، وسببُ نزول هذه الآية ما روي عن ابن عباس ☻ قال: ((وقف رسول الله صلعم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمارٍ، وفيهم عبد الله بن أُبي، فبال الحمار، فأمسك عبد الله بن أُبي بأنفه وقال: خلِّ سبيل حمارك فقد آذانا نتنه، فقال عبد الله ابن رواحة ☺: والله إن بول حماره لأطيبُ من مسككَ)) _وروي: ((حماره أفضل منك، وبول حماره أطيب من مسكك_ ومضى رسول الله صلعم وطال الخوضُ بينهما حتى استبَّا وتجالدا، وجاء قوماهما وهم: الأوس والخزرج، فتجالدوا بالعصيِّ والنِّعال والسُّعف، فرجع إليهم رسول الله صلعم فأصلحَ بينهم)) ونزلت.
          (وعن مقاتل قرأها عليهم) فاصطلحوا، ثمَّ إنَّ هذا الترتيب الذي ذكر هو رواية الأَصيلي وغيره. وأمَّا رواية أبي ذرٍّ عن مشايخه: أنَّه وقع هذه الآية وحديث الأحنف ثمَّ حديث أبي ذرٍّ في باب واحد بعد قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، لكن سقطَ حديث أبي بكرةَ من رواية المستملي، وكلٌّ من التَّرتيبين حسنٌ جيِّدٌ له وجه، كما لا يخفى.