نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين

          ░8▒ (بابُ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ) على البناء للمفعول. قال الكِرمانيُّ: فإن قلت: الحيُّ يقتلُ لا القتيل لأنَّ قَتْلَ القتيل محالٌ. وأجاب: بأنَّ المرادَ القتيلُ بهذا القتل لا بقتلٍ سابقٍ. قال: ومثله يذكرُ في علم الكلام على سبيل المغالطة، قالوا: لا يمكن إيجاد موجودٍ؛ لأنَّ الموجد إمَّا أن يوجده في حال وجودِهِ فهو تحصيلُ الحاصل، وأمَّا حال العدم فهو جمعٌ بين النَّقيضين، فيُجاب باختيار الشِّقِّ الأوَّل إذ ليس إيجادًا للموجود بوجودِ سابقٍ؛ ليكون تحصيل الحاصل، بل إيجادًا له بهذا الوجود، وكذا حديث: ((من قَتَلَ قَتيلًا فله سلبه)).
          (فَهْوَ) أي: وليُّ القتيل (بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) إمَّا الدِّية، وإمَّا القصاصُ، ترجم بلفظ الخبر، وظاهرهُ حجَّةٌ لمن قال: إنَّ الإحسانَ في أخذِ الدِّية والاقتصاصِ راجعٌ إلى أولياءِ المقتول، ولا يشترطُ في ذلك رضى القاتل، وهذا القدرُ مقصودُ التَّرجمة. ومن ثمَّة عقب حديث أبي هريرة ☺ بحديثِ ابن عبَّاس ☻ الَّذي فيه تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178]. أي: ترك له دمهِ، ورضيَ منه بالدِّية في العَمْدِ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:178] أي: في المطالبة بالدِّية.
          وقد فسَّر ابن عبَّاس ☻ العفوَ بقَبول الدِّية / في العَمْدِ، وقبولُ الدِّية راجعٌ إلى الأولياء الَّذين لهم طَلَبُ القصاص، وأيضًا فإنَّما لزمت القاتل الدِّية بغير رضاه؛ لأنَّه مأمورٌ بإحياء نفسه لعموم قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء:29]، فإذا رضيَ أولياء القتيل بأخذ الدِّية لم يكن للقاتل أن يمتنعَ من ذلك.
          قال ابن بطَّال: ومعنى قوله تعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:178] إشارة إلى أنَّ أخذ الدِّية لم يكن في بني إسرائيل، بل كان القصاصُ متحتِّمًا فخفَّفَ اللهُ عن هذه الأمَّة بمشروعيَّة أخذ الدِّية إذا رضيَ أولياء المقتول.