نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: إذا قتل بحجر أو بعصًا

          ░5▒ (باب إِذَا قَتَلَ) أي: شخصٌ شَخْصًا (بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا) هل يُقْتَلْ بما قَتَلَ به، أو بالسَّيف، كذا قدَّرَه العينيُّ. وقال: وإنَّما قدَّرنا هكذا، وإن كان يحتمل أن يقال: لا يقتل إلَّا بالسَّيف لأجل موافقته لحديث الباب ولم يذكرْه على عادته اكتفاءً بحديث الباب. وقال الحافظ العسقلاني: كذا أطلق ولم يُثْبِتِ الحكمَ إشارة إلى الاختلاف في ذلك، ولكنَّ إيرادَه الحديثَ يشيرُ إلى ترجيحِ قَولِ الجمهور.
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ الوجه في ترْكِه / الجوابَ ما ذكرناه، وأيُّ شيءٍ من التَّرجمة يدلُّ على الاختلاف فيه؟ ولا وَجْهَ أيضًا لقوله: إيرادُه الحديثَ يشيرُ إلى ترجيحِ قول الجمهور. فليُتَأمَّل
          وقد اخْتَلَفَ العلماءُ في صفة القود فقال مالك: إنَّه يُقْتَلُ بمثل ما قَتَلَ به فإنَّ قَتَلَه بعصى، أو بحَجَرٍ، أو بالخَنْق، أو بالتَّغريق قُتِلَ بمثله، وبه قال الشَّافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وابن المنذر. وقال الشَّافعي: إن طرحه في النَّار عمدًا حتَّى مات طُرِحَ في النَّار حتَّى يموت. وقال إبراهيم النَّخَعِيُّ وعامر الشَّعبي والحسنُ البصريُّ وسفيان الثَّوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا يقتل القاتل في جميع الصُّور إلَّا بالسَّيف.
          واحتجُّوا بما رواه الطَّحَّاوي: حدَّثنا ابن مرزوق، قال: حدَّثنا أبو عاصم، قال: حدَّثنا سفيان الثَّوري، عن جابر، عن أبي عازب، عن النُّعمان قال: قال رسول الله صلعم : ((لا قودَ إلَّا بالسَّيف)). وأبو عاصم الضَّحَّاك بن مخلد شيخُ البخاري، وجابر الجُعفي، وأبو عازب مسلم بن عَمرو، أو مسلم بن أَرَاك، والنُّعمان بن بشير، وأخرجه أبو داود والطَّيالسي ولفظه: ((لا قودَ إلَّا بحديدةٍ)).
          وأجابوا عن حديث الباب: أنَّه نُسِخَ بِنَسْخِ المُثْلة، كما فعل رسول الله صلعم بالعُرنيين. فإن قيل: قال البيهقيُّ: هذا الحديثُ لم يثبتْ له إسنادٌ، وجابرٌ مطعونٌ فيه؟ فالجواب: أنَّه وإن طُعِنَ فيه فقد قال وكيعٌ: مهما شَكَكْتُم في شيءٍ فلا تشكُّوا أنَّ جابرًا ثقةٌ، وقال شعبة: صدوقٌ في الحديث. وأخرج له ابن حبَّان في «صحيحه» وقد رُوِيَ مثلُه عن أبي بكرة، رواه ابن ماجه بإسناده الجيِّد. وعن أبي هريرة ☺، رواه البيهقيُّ من حديث الزُّهري عن أبي سلمة عنه نحوه.
          وعن عبد الله بن مسعودٍ أخرجه البيهقيُّ أيضًا من حديث إبراهيم، عن عَلْقَمَة، عنه، ولفظه: ((لا قود إلَّا بالسِّلاح)). وعن عليٍّ ☺ رواه معلَّى بن هلال، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرة عنه، ولفظه: ((لا قودَ إلَّا بحديدةٍ)).
          وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ ☺، أخرجه الدَّارقطني من حديث أبي عازبٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ ☺ عن النَّبي صلعم قال: ((لا قود إلَّا بالسَّيف والخطأ على العاقلة)).
          وهؤلاء ستَّة أنفسٍ من الصَّحابة رووا عن النَّبي صلعم / أنَّ القودَ لا يكون إلَّا بالسَّيف، ويشدُّ بعضه بعضًا وأقلُّ أحواله أن يكون ضعيفًا، فصحَّ الاحتجاجُ به، كذا قرَّرَه العينيُّ، وسيجيء ما يتعلَّق به.