نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص}

          ░3▒ (بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ} [البقرة:178]) أي: فُرِضَ ({عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}) جَمْعُ: قتيل، والمعنى: فُرِضَ عليكم اعتبارُ المماثلة والمساواةِ بين القتل ({الْحُرُّ بِالْحُرِّ}) مبتدأ وخبر؛ أي: الحرُّ مأخوذٌ ومقتولٌ بالحرِّ ({وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِي لَهُ}) أي: فمن تُرِكَ له ({مِنْ أَخِيهِ}) أي: من جهة أخيه ({شَيْءٌ}) يعني: بعد استحقاق الدَّم؛ أي: شيءٌ من العفو، وفيه: إشعارٌ بأنَّ بعضَ العفو كالعفو التَّامِّ في إسقاط القصاص والأخ وليُّ المقتول، وذكره بلفظ الأخوة بعثًا له على العطف لما بينهما من الجنسيَّة والإسلام.
          ({فَاتِّبَاعٌ}) أي: فليكن اتباع، أو فالأمر اتباع يعني: فعلى الطَّالب اتباعٌ إذا قَبِلَ الدِّيَّة ({بِالْمَعْرُوفِ}) أي: يطالبُ العافي القاتلَ مطالبةً جميلةً ({وَأَدَاءٌ}) أي: ولْيُؤدِّ القاتلُ بدلَ الدَّم ({إِلَيْهِ}) أي: إلى العافي ({بِإِحْسَانٍ}) بأن لا يمطله ولا يبخسه ({ذَلِكَ}) أي: الحكم المذكور من العفو وأخذ الدِّيَّة ({تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}) فإنَّه كان في التَّوراة القتل لا غير، فعن مجاهدٍ عن ابن عبَّاس ☻ ، قال: كان في بني إسرائيل قِصَاصٌ ولم تكن فيهم الدِّية، فقال الله لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة:178] إلى آخر الحديث، كما سيأتي، وفي الإنجيل: العفو لا غير، وأُبِيْحَ لنا القصاص والعفو وأخذ المال بطريق الصُّلح توسعةً وتيسيرًا.
          ({فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ}) أي: بعد التخفيف فتجاوز ما شُرِعَ له من قَتْلِ غير القاتل، أو القَتْل بعد أخذ الدِّية، أو العفو ({فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:178]) في الآخرة، كذا ساق كريمةُ في روايته الآيةَ كلَّها، وسقط في رواية أبي ذرٍّ من قوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} إلى آخرها، وقال بعد قوله في القتلى: <الآية>، وسقط في رواية الأَصيلي من قوله: {بِالْحُرِّ} وقال: <إلى قوله: {أَلِيمٌ}>. وقال ابنُ عساكر / في روايته: <إلى {عَذَابٌ أَلِيمٌ}>. وزاد الأَصيلي في التَّرجمة: <وإذا لم يَزَلْ يُسأل القاتلُ> بضم التحتية من يُسأل <حتَّى أقرَّ والإقرارُ في الحدود> ولم يذكر المؤلِّف حديثًا في هذا الباب.