إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لما جاء قتل ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب

          4263- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بنُ سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ) بنُ عبدِ المجيد الثَّقفيُّ (قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ) الأنصاريَّ (قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ) بنتُ عبدِ الرَّحمن بنِ سعيدٍ (قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ♦ تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ) زيد، أي: خبرُ قتلهِ على لسانِ جبريل، أو رجلٍ من الجيش (وَ) خبرُ قتل (جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ ♥ ) ولأبي ذرٍّ وابن عساكرٍ ”قتْلُ ابنِ رواحَةَ وابنِ حارثَةَ / وجعفرِ بنِ أبي طالبٍ رضوان الله عليهم“ (جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلعم )‼ في المسجدِ حال كونه (يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ) بضم الحاء وسكون الزاي، وضبطه أبو ذرٍّ ”الحَزَن“ بفتحهما؛ للرحمة التي في قلبهِ، ولا ينافي ذلك الرِّضا بالقضاءِ.
          (قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا أَطَّلِعُ(1) مِنْ صَائِرِ البَابِ _تَعْنِي: مِنْ شَقِّ البَابِ_) بفتح الشين المعجمة في «اليونينية» (فَأَتَاهُ) ╕ (رَجُلٌ) لم يقفِ الحافظُ ابنُ حجرٍ على اسمهِ (فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللهِ صلعم ، إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ) زوجاته، لكن لا نعرفُ له غيرَ أسماء، فالحملُ على من يُنْسب إليه من النِّساء في الجُمْلة أَولى (قَالَ: وَذَكَرَ) ولأبي ذرٍّ وابن عساكرٍ ”قالت“ أي: عائشةُ، فذكر (بُكَاءَهُنَّ، فَأَمَرَهُ) ╕ (أَنْ يَنْهَاهُنَّ) عن ذلك (قَالَ: فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَى) إليه ╕ (فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ. وَذَكَرَ أَنَّهُ) وللأَصيليِّ وأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”أنهنَّ“ قال في «الفتح»: وهو أوجه (لَمْ يُطِعْنَهُ) بضم أوله (قَالَ: فَأَمَرَ أَيْضًا) بحذف المفعول، أي: فأمره (فَذَهَبَ) إليهنَّ (ثُمَّ أَتَى، فَقَالَ: وَاللهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا) بسكون الموحدة في عدمِ الامتثالِ لقوله؛ لكونه لم يصرِّح لهنَّ بنهي الشَّارع، أو حمَلْن الأمرَ على التَّنزيهِ، أو لشدَّة الحزن لم يستطعْنَ تركَ ذلك، وليس النَّهيُ عن البكاءِ فقط، بل الظَّاهرُ أنَّه على نحو النَّوح، أو كنَّ تركْنَ النَّوح ولم يتركنَ البكاء، وكان غرضُ الرَّجل حسم المادَّةِ فلم يطعْنَه، لكن قوله: (فَزَعَمَتْ) عائشةُ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: فَاحْثُِ) بالحاء المهملة والمثلثة المضمومة وتكسر؛ لأنه يقال: حَثَا يَحثُو ويَحثِي (فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ) يدلُّ على أنهنَّ تمادَين على الأمرِ الممنوع منه شرعًا (قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ) للرَّجل: (أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ) أي: ألصقهُ بالتُّراب، ولم تُرِدْ حقيقة الدُّعاء (فَوَاللهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ) ما أمركَ به النَّبيُّ صلعم لقصوركَ عن القيامِ بذلك، وعند ابنِ إسحاقَ من وجهٍ صحيحٍ أنَّها قالت: «وعرفتُ أنَّه لا يقدرُ أن يحثي في أفواههنَّ التُّراب» (وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم مِنَ العَنَاءِ) بفتح العين والنون والمدِّ، من التَّعب.
          وهذا الحديثُ مضى في «الجنائزِ» [خ¦1305].


[1] في (ل): «فقالت عائشة: وأنا أتطلَّع».