إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا

          3841- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكَينٍ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيرٍ) بضمِّ العين وفتح الميم مُصغَّرًا، الكوفيِّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ) من إطلاق الكلمة على الكلام، وهو مجازٌ محتملٌ عند النَّحويِّين، مُستعمَلٌ / عند المستكملين(1) المتكلِّمين، وهو من باب تسمية الشَّيء باسم جزئه على سبيل التَّوسُّع، ولـ «مسلمٍ» من طريق شعبة وزائدة عن عبد الملك: «إنَّ أصدق بيتٍ» وله من رواية شريكٍ عن عبد الملك: «أَشعر كلمةٍ تكلَّمت بها العرب» (كَلِمَةُ لَبِيدٍ) بفتح اللَّام وكسر المُوحَّدة، ابن ربيعة بن عامر بن مالك ابن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر(2) بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الجعفريِّ العامريِّ، من فحول الشُّعراء، مخضرمٌ وفد على رسول الله صلعم سنة وفد قومه بنو جعفرٍ، فأسلم وحَسُنَ إسلامه‼: (أَلَا) _بالتَّخفيف_ استفتاحيَّةٌ (كُلُّ شَيْءٍ) مبتدأٌ مضافٌ للنَّكرة، وهو يفيد استغراق أفرادها نحو: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران:185] (مَا خَلَا اللهَ) نُصِب بـ «خلا» وخبر المبتدأ قوله: (بَاطِلٌ) كذا بالتَّنوين، أي: كلُّ شيءٍ خلا الله، وخلا صفاته الذَّاتيَّة؛ من رحمةٍ وعذابٍ وغير ذلك، أو المراد: كلُّ شيءٍ سوى الله جائزٌ عليه الفناء لذاته، والنِّصف الأخير لهذا البيت:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .                     وكلُّ نعيمٍ لامحالة زائلُ
          وهو من قصيدة من البحر الطَّويل وجملتها عشرة أبياتٍ، وأنشدت له عائشة ♦ قوله:
ذهب الذين يُعاش في أكنافهم                     وبقيتُ في خَلْفٍ كجلد الأجربِ
          فقالت: يرحم الله لبيدًا، كيف لو أدرك زماننا هذا؟(3) وقال له عمر بن الخطَّاب: أَنْشِدني شيئًا من شعرك، فقال: ما كنت لأقول شعرًا بعد أن علَّمني الله البقرة وآل عمران، وتُوفِّي بالكوفة في إمارة الوليد بن عُتبة عليها في خلافة عثمان ☺ عن مئةٍ وأربعين سنةً، وقيل: وسبعٍ وخمسين سنةً، وهو القائل:
ولقد سئمتُ من الحياةِ وطولِهَا                     وسؤالِ هذا النَّاسِ كيف لبيدُ
          (وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ) بضمِّ الهمزة وفتح الميم وتشديد التَّحتيَّة، و«الصَّلْت» بفتح الصَّاد المُهمَلة وسكون اللَّام بعدها فوقيَّةٌ، الثَّقفيُّ، أي: قاربَ (أَنْ يُسْلِمَ) بضمِّ التَّحتيَّة وسكون السِّين المهملة وكسر اللَّام، أي: في شِعْره، ففي حديث مسلمٍ من طريق عمرو بن الشَّريد عن أبيه قال: ردفت النَّبيَّ صلعم فقال: «هل معك من شعر أميَّة؟» قلت: نعم، فأنشدته مئة بيتٍ، فقال: «لقد كاد يُسْلِم في شعره» وكان أميَّة يتعبَّد في الجاهليَّة ويؤمن بالبعث وأدرك الإسلام ولم يُسلم، وقيل: إنَّه داخلٌ في النَّصرانيَّة، وأكثرَ في شعره من ذكر التَّوحيد، وسقط لأبي ذرٍّ «أن» من قوله: «أن يسلم» وحينئذٍ «يسلمُ» رَفْعٌ.
          وهذا الحديث أخرجه البخاريُّ أيضًا في «الأدب» [خ¦6147] و«الرِّقاق» [خ¦6489]، ومسلمٌ في «الشِّعر»، والتِّرمذيُّ في «الاستئذان»، وابن ماجه في «الأدب».


[1] «المستكملين»: مثبتٌ من (ص) و(م).
[2] «بن عامر»: ليس في (م).
[3] قوله: «وأنشدت له عائشة ♦... كيف لو أدرك زماننا هذا؟» جاء في (ص) و(م) بعد قوله: «وحَسُنَ إسلامه» السَّابق.