إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا استجنح فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ

          3280- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ) أبو زكريَّا البخاريُّ البيكنديُّ قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيُّ) هو من شيوخ المؤلِّف، رُوِيَ عنه هنا(1) بالواسطة، قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع وضُبِّب عليها بالفرع، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (ابْنُ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن عبد العزيز (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباحٍ (عَنْ جَابِرٍ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ‼) أنَّه (قَالَ: إِذَا اسْتَجْنَحَ(2) اللَّيْلُ) بسينٍ مهملةٍ ساكنةٍ ففوقيَّةٍ مفتوحةٍ فجيمٍ ساكنةٍ فنونٍ مفتوحةٍ فحاءٍ مهملةٍ، أي: أقبل ظلامه حين تغيب الشَّمس، وسقط لفظ «اللَّيل» لغير أبي ذرٍّ (أَو كَانَ جُـِنْحُ اللَّيْلِ) بضمِّ الجيم وكسرها وسكون النُّون، وفي «اليونينيَّة»: ضمُّ الجيم وفتحها(3)، أي: طائفةٌ منه، و«كان» تامَّةٌ، أي: حصل، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”أو قال(4): جنح اللَّيل“ (فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ) أي: ضمُّوهم وامنعوهم من الانتشار ذلك الوقت (فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ) لأنَّ حركتهم في اللَّيل أمكن منها لهم في النَّهار، لأنَّ الظَّلام أجمع للقوى الشَّيطانيَّة، وعند انتشارهم يتعلَّقون بما يمكنهم التَّعلُّق به، فلذا خيف على الصِّبيان من إيذائهم (فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ العِشَاءِ) أي: فإذا(5) ذهب بعض الظُّلمة لامتدادها (فَحُلُّوهُمْ) بالحاء المهملة المضمومة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فخَلُّوهم“ بالخاء المعجمة المفتوحة وضمِّها(6) في «اليونينيَّة» (وَأَغْلِقْ بَابَكَ) بقطع الهمزة والإفراد خطابٌ لمفردٍ(7)، والمراد به كلُّ واحدٍ(8)، فهو عامٌّ بحسب المعنى (وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ) عليه (وَأَطْفِئْ) بالهمز(9) (مِصْبَاحَكَ) بقطع الهمزة، أمرٌ من الإطفاء خوفًا من الفويسقة أن تجرَّ الفتيلة فتحرق البيت. وفي «سنن أبي داود» من حديث ابن عبَّاسٍ: «جاءت فأرةٌ فأخذت تجرُّ الفتيلة، فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله صلعم على الخُمْرة الَّتي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها موضع درهم»، والمصباح عامٌّ يشمل السِّراج وغيره. نعم القنديل المعلَّق إن أُمِنَ منها فلا بأس؛ لانتفاء العلَّة (وَاذْكُرِ / اسْمَ اللهِ) عليه (وَأَوْكِ سِقَاءَكَ) بكسر المهملة والمدِّ، أي: اشدد فم قربتك بخيطٍ أو غيره (وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ) عليه (وَخَمِّرْ) بالخاء المعجمة المفتوحة والميم المشدَّدة المكسورة والرَّاء، غطِّ (إِنَاءَكَ) صيانةً من الشَّيطان، لأنَّه لا يكشف غطاءً، ولا يحلُّ سقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يؤذي صبيًّا، وفي تغطية الإناء أيضًا أمنٌ من الحشرات وغيرها، ومن الوباء الَّذي ينزل في ليلةٍ من السَّنة؛ إذ ورد: أنَّه «لا يمرُّ بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ، أو شيءٍ ليس عليه وكاءٌ، إلَّا نزل فيه»، وعن اللَّيث: والأعاجم(10) يتَّقون ذلك في كانون الأوَّل(11). (وَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ) عليه (وَلَو تَعْرُِضُ) بضمِّ الرَّاء وتُكسَر (عَلَيْهِ) على الإناء (شَيْئًا) عودًا أو نحوه، تجعله عليه عرضًا _بخلاف الطُّول_ إن لم تقدر على ما تغطِّيه به، والأمر في كلِّها للإرشاد.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الأشربة» [خ¦5623]، وكذا مسلمٌ وأبو داود، وأخرجه النَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة».


[1] «هنا»: ليس في (ص).
[2] في (د): «استنجح» وهو تحريفٌ.
[3] قوله: «وفي اليونينية:... وفتحها» سقط من (د).
[4] زيد في (د): «كان»، وليس بصحيحٍ.
[5] «فإذا»: ليس في (د) و(م).
[6] في (د): «وضمِّ اللَّام».
[7] في غير (د) و(ص): «خطابًا لمفرد».
[8] «واحدٍ»: ليس في (ص) و(م).
[9] «بالهمز»: ليس في (د).
[10] زيد في (م): «كانوا».
[11] الحديث أخرجه مسلم في «صحيحه» من طرق، منها طريق الليث هذا (2014).