إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة

          ░8▒ (بابُ مَا جَاءَ) من الأخبار (فِي صِفَةِ الجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ) وموجودةٌ الآن.
          (قَالَ أَبُو العَالِيَةِ) رُفَيعٌ الرِّياحيُّ، ممَّا وصله ابن أبي حاتمٍ: ({مُّطَهَّرَةٌ}[النساء:57]) من قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} أي: (مِنَ الحَيْضِ، وَالبَوْلِ، وَالبُزَاقِ) بالزَّاي، ولأبي ذرٍّ: ”والبُصَاق“ بالصَّاد، وزاد ابن أبي حاتمٍ: «ومن المنيِّ والولد» ({كُلَّمَا رُزِقُواْ}[البقرة:25]) أي: (أُتُوا بِشَيْءٍ، ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ) غيره ({قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ}) أي: (أُتِينَا مِنْ قَبْلُ) فيُقال لهم: كلوا فإنَّ اللَّون واحدٌ والطَّعم مختلفٌ، أو المراد بالقبليَّة: ما كان في الدُّنيا، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أوتينا“ بواوٍ بعد الهمزة، بمعنى: الإعطاء، وصوَّبه السَّفاقسيُّ، والأوَّل بمعنى(1): المجيء ({وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً}[البقرة:25] يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا) في اللَّون (وَيَخْتَلِفُ فِي الطُّعُومِ) ولأبي ذرٍّ: ”في الطَّعم“ بالإفراد، قال ابن عبَّاسٍ: «ليس في الدُّنيا ممَّا في الجنَّة إلَّا الأسماء» رواه ابن جريرٍ(2) ({قُطُوفُهَا}) أي: (يَقْطِفُونَ) بكسر الطَّاء (كَيْفَ شَاؤُوْا) رواه عبد بن حُميدٍ من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء ({دَانِيَةٌ}[الحاقة:23]) أي: (قَرِيبَةٌ) قال الكِرمانيُّ: فإن قلت: كيف فسَّر القطوف بـ «يقطفون»؟ قلت: جعل قطوفها دانيةً، جملةٌ حاليَّةٌ، وأخذ لازمها (الأَرَائِكُ) هي (السُّرُرُ) زاد ابن عبَّاسٍ: «في الحِجَال» (وَقَالَ الحَسَنُ) البصريُّ: أي: في قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}[الإنسان:11] (النَّضْرَةُ فِي الوُجُوهِ، وَالسُّرُورُ فِي القَلْبِ) رواه عبد بن حُميدٍ من طريق(3) مبارك بن فَضَالة عنه (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سَلْسَبِيلًا}[الإنسان:18]) في قوله تعالى: {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}[الإنسان:18] (حَدِيدَةُ الجِرْيَةِ) بفتح الحاء وبدالين مهملاتٍ، أي: قويَّة الجرية. ورُوِي عن مجاهدٍ أيضًا قال: تجري شبيه السَّيل، أي: في قوَّة الجري، وعن عكرمة _فيما رواه ابن أبي حاتمٍ_: السَّلسبيل اسم العين(4). ({غَوْلٌ}) أي: (وَجَعُ البَطْنِ) ولأبي ذرٍّ: ”بطنٍ“ ({يُنزَفُونَ}[الصافات:47]) أي: (لَا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ) بل هي(5) ثابتةٌ مع اللِّذَّة والطَّرب (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {دِهَاقًا}) أي: (مُمْتَلِئًا) وصله عبد بن حُمَيدٍ من طريق عكرمة عنه. ({وَكَوَاعِبَ}[النبأ:33-34]) قال ابن عبَّاسٍ: أي: (نَوَاهِدَ) جمع ناهدٍ، وهي الَّتي بدا ثديها، وهذا وصله ابن أبي حاتمٍ (الرَّحِيقُ) هو (الخَمْرُ) وصله ابن جريرٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ(6) (التَّسْنِيمُ)(7): شيءٌ (يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الجَنَّةِ) وصله عبد بن حُمَيدٍ بإسنادٍ صحيحٍ عن سعيد بن جُبَيرٍ عن ابن عبَّاسٍ، وزاد: وهو صِرْفٌ‼ للمقرَّبين، ويُمزَج لأصحاب اليمين. ({خِتَامُهُ}[المطففين:26]) أي: (طِينُهُ {مِسْكٌ})(8) وصله ابن أبي حاتمٍ من طريق مجاهدٍ، وعن أبي الدَّرداء فيما رواه ابن جريرٍ، قال: «شرابٌ أبيض مثل الفضَّة(9) يختِمون به شرابهم، ولو أنَّ رجلًا من أهل الدُّنيا أدخل إصبعه فيه ثمَّ أخرجها لم يبقَ ذو روحٍ إلَّا وجد طيبها(10)»، وقيل: المراد بالختام: ما يبقى في أسفل الشَّراب من الثُّفل(11)، وهذا يدلُّ على أن أنهارها تجري على المسك، ولذلك يرسب منه في الإناء في آخر(12) الشَّراب كما يرسب الطِّين في آنية الدُّنيا ({نَضَّاخَتَانِ}[الرحمن:66]) أي: (فَيَّاضَتَانِ) وصله ابن أبي حاتمٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ (يُقَالُ: مَوْضُونَةٌ: مَنْسُوجَةٌ) بالجيم (مِنْهُ: وَضِينُ النَّاقَةِ) وهو كالحزام للسَّرج «فعيلٌ» بمعنى «مفعولٍ» لأنَّه مضفورٌ، وقال السُّدِّيُّ: مرمولةٌ بالذَّهب واللُّؤلؤ، وقال عكرمة: مُشبَّكةٌ بالدُّرِّ والياقوت (وَالكُوبُ) _بضمِّ الكاف_ من الكيزان: (مَا لَا أُذُنَ لَهُ وَلَا عُرْوَةَ، وَالأَبَارِيقُ: ذَوَاتُ الآذَانِ وَالعُرَا) ولأبي ذرٍّ: ”ذات“ بغير واوٍ ({عُرُبًا}[الواقعة:37] مُثَقَّلَةً) أي(13): مضمومة الرَّاء (وَاحِدُهَا عَرُوبٌ، مِثْلُ: صَبُورٍ وَصُبُرٍ) وزنًا (يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ: العَرِبَةَ) بفتح العين وكسر الرَّاء وفتح المُوحَّدة(14)، وعند الطَّبريِّ من طريق تميم بن حَذْلَم(15): العَرِبَة: الحسنة التَّبعُّل، كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التَّبعُّل: إنَّها لَعَرِبةٌ (وَ) يسمِّيها (أَهْلُ المَدِينَةِ: الغَنِجَةَ) بالغين المعجمة المفتوحة والنُّون المكسورة والجيم المفتوحة، وعند ابن أبي حاتمٍ من طريق زيد بن أسلم قال: «هي الحسنة(16) الكلام» (وَ) يسمِّيها (أَهْلُ العِرَاقِ: الشَّكِلَةَ) بفتح الشِّين المعجمة وكسر الكاف، وعن ابن عبَّاسٍ: العُرُب: العواشق لأزواجهنَّ، وأزواجهنَّ لهنَّ عاشقون. (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَرَوْحٌ}[الواقعة:89]: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ، وَرَيْحَانٌ: الرِّزْقُ) أخرجه البيهقيُّ في «شُعَبه» (وَالمَنْضُودُ) هو (المَوْزُ) رواه ابن أبي حاتمٍ عن أبي / سعيدٍ (وَالمَخْضُودُ) هو (المُوقَرُ حَمْلًا) بفتح قاف «الموقر» وحاء «حملًا» (وَيُقَالُ أَيْضًا): المخضود: الَّذي (لَا شَوْكَ لَهُ) وقال مجاهدٌ: {مَّنضُودٍ} متراكمُ الثَّمر، يُذكِّر بذلك قريشًا، لأنَّهم كانوا يعجبون من وَجٍّ، وظلاله من طلحٍ وسدرٍ. وقال السُّدِّيُّ: {مَّنضُودٍ}: مصفوف، وروى ابن أبي حاتمٍ من حديث(17) الحسن بن سعدٍ عن شيخٍ من هَمْدان قال: سمعت عليًّا يقول في: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} قال: طلعٌ منضودٌ. قال ابن كثيرٍ: فعلى هذا يكون من وصف السِّدر، وكأنَّه وصفه بأنَّه مخضودٌ، وهو الَّذي لا شوك له، وأنَّ طلعه منضودٌ، وهو كثرة ثمره (وَالعُرُبُ) بضمِّ العين والرَّاء، ولأبي ذرٍّ: ”والعُرْب“ بسكون الرَّاء: (المُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ) رواه ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبَّاسٍ من طريق سعيد بن جُبَيرٍ. (وَيُقَالُ: مَسْكُوبٌ) أي: (جَارٍ) و({وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ}[الواقعة:34]) أي: (بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) وصله الفريابيُّ عن مجاهدٍ، وقيل: (18) العالية، وذُكِر أنَّ ارتفاعها مسيرة خمس مئة عامٍ، وقيل: هي النِّساء، لأنَّ المرأة يُكنَّى عنها بالفراش‼ ({لَغْوًا}) أي: (بَاطِلًا، {تَأْثِيمًا}[الواقعة:25]) أي: (كَذِبًا) وصله الفريابيُّ عن مجاهدٍ (أَفْنَانٌ) أي: (أَغْصَانٌ {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}) أي: (مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ) وصله الطَّبريُّ عن مجاهدٍ ({مُدْهَامَّتَانِ}[الرحمن:54]) أي: (سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ) وصله الفريابيُّ عن مجاهدٍ.


[1] في (م): «المعنى» وهو تحريفٌ.
[2] في (ب): «جريجٍ»، وفي (م): «جُبيرٍ» وهو تحريفٌ.
[3] زيد في (م): «إسرائيل عبد بن أبي إسحاق من طريق» وفيه تكرارٌ واضطرابٌ.
[4] في (م): «للعين».
[5] «هي»: ليس في (م).
[6] «عن ابن عبَّاسٍ»: مثبتٌ من (د).
[7] زيد في (ب) و(س): «أي».
[8] «{مِسْكٌ}»: سقط من (د).
[9] في (م): «البيضة» وهو تحريفٌ.
[10] في (د): «ريحها».
[11] في غير (ب) و(س): «التُّفل».
[12] في (د): «أواخر».
[13] «أي»: ليس في (د).
[14] «وفتح الموحَّدة»: ليس في (د)، وفي نسخة (ج): بفتح العين وكسر الموحدة.
[15] في (د): «حزامٍ» وهو تحريفٌ.
[16] في (م): «حسنة».
[17] في (د): «طريق».
[18] زيد في (م): «هي».