إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب صفة إبليس

          ░11▒ (بابُ صِفَةِ إِبْلِيسَ) وهو شخصٌ روحانيٌّ خُلِق من نار السَّموم، وهو أبو الجنِّ والشَّياطين كلِّهم، وهل كان من الملائكة أم لا؟ وآية البقرة _وهي قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى (1)}[البقرة:34]_ تدلُّ على أنَّه منهم، وإلَّا لم يتناوله أمرهم ولم يصحَّ استثناؤه منهم، ولا يَرِدُ على ذلك قوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ}[الكهف:50] لجواز أن يُقال: إنَّه كان من الجنِّ فعلًا ومن الملائكة نوعًا، ولأنَّ ابن عبَّاسٍ ☻ روى: «أنَّ من الملائكة ضربًا يتوالدون يُقال لهم: الجنُّ، ومنهم: إبليس» ولمن زعم أنَّه لم يكن من الملائكة أن يقول: إنَّه كان جنِّيًّا نشأ بين أظهر الملائكة، وكان مغمورًا بالألوف منهم فغُلبوا عليه، ولعلَّ ضربًا من الملائكة لا يخالف الشَّياطين بالذَّات، وإنَّما يخالفهم بالعوارض والصِّفات؛ كالبَرَرَة والفَسَقَة من الإنس والجنِّ يشملهما، وكان إبليس من هذا الصِّنف. وعن مقاتلٍ: لا من الملائكة ولا من الجنِّ، بل خُلِق منفردًا من النَّار، ولحسنه كان يُقال له: طاوس الملائكة، ثمَّ مسخه الله تعالى، وكان اسمه عزازيل، ثمَّ إبليس بَعْدُ، وهذا يؤيِّد قول القائل: بأنَّ «إبليس» عربيٌّ، لكن قال ابن الأنباريِّ: لوكان عربيًّا لصُرِف، كإكليلٍ (وَ) في بيان (جُنُودِهِ) الَّتي يبثُّها في الأرض لإضلال بني آدم، وفي «مسلمٍ» من حديث جابرٍ مرفوعًا: «عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه فيفتنون النَّاس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنةً». (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله عبد بن حُمَيدٍ في قوله تعالى: ({وَيُقْذَفُونَ}[الصافات:8]) ولأبي ذرٍّ: ”{وَيُقْذَفُونَ}“(2) أي: (يُرْمَوْنَ) وفي قوله تعالى: ({دُحُورًا}[الصافات:9]) أي: (مَطْرُودِينَ) وفي قوله تعالى: ({وَاصِبٌ}[الصافات:9]) أي: (دَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصله الطَّبريُّ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى: ({مَّدْحُورًا}[الأعراف:18]) أي: (مَطْرُودًا) وفي قوله تعالى: {شَيْطَانًا مَّرِيدًا}[النساء:117] (يُقَالُ: {مَّرِيدًا}) أي: (مُتَمَرِّدًا) وفي قوله تعالى: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ}[النساء:119] يُقال: (بَتَّكَهُ) أي: (قَطَّعَهُ) وفي(3) قوله تعالى: ({وَاسْتَفْزِزْ}[الإسراء:64]) أي: (اسْتَخِفَّ، {بِخَيْلِكَ}[الإسراء:64] الفُرْسَانُ، وَالرَّجْلُ) في قوله تعالى: {وَرَجِلِكَ}[الإسراء:64] (الرَّجَّالَةُ) بتشديد الرَّاء والجيم المفتوحتين (وَاحِدُهَا: رَاجِلٌ مِثْلُ: صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ) قاله أبو عبيدة، وفي قوله تعالى: ({لأَحْتَنِكَنَّ}[الإسراء:62]) أي: (لأَسْتَأْصِلَنَّ) من الاستئصال. وفي قوله تعالى: ({قَرِينٌ}[الصافات:51]) أي: (شَيْطَانٌ) قاله مجاهدٌ فيما رواه ابن أبي حاتمٍ.


[1] «{أَبَى}»: ليس في (د).
[2] على هامش (ج): «معناها: يرمون» انتهى. وهي نص مشروحة في البخاري.
[3] «في»: ليس في (م).