إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: على رسلكما إنها صفية بنت حيي

          3281- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولغير أبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ) بفتح الغين المعجمة وسكون التَّحتيَّة، المروزيُّ، وسقط لأبي ذرٍّ «ابن غيلان» قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّامٍ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابن راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ (عَنْ عَلِيِّ) زين العابدين(1) (بْنِ حُسَيْنٍ) يعني: ابن عليِّ بن أبي طالبٍ (عَنْ صَفِيَّةَ بْنَةِ حُيَيٍّ) ولأبي ذرٍّ‼: ”بنت(2) حييٍّ“ (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم مُعْتَكِفًا) في مسجده (فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ، فَانْقَلَبْتُ) أي(3): فرجعت (فَقَامَ) صلعم (مَعِي لِيَقْلِبَنِي) بفتح التَّحتيَّة وسكون القاف (وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الأَنْصَارِ) قيل: هما أُسيد بن حُضَيرٍ وعبَّاد بن بِشْرٍ (فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلعم أَسْرَعَا) في المشي (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) لهما شفقةً ورأفةً بهما: (عَلَى رِسْلِكُمَا) بكسر الرَّاء، على هينتكما، فما هنا شيءٌ تكرهانه (إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللهِ! يَا رَسُولَ اللهِ) أي: تنزَّه الله عن(4) أن يكون رسوله متَّهمًا بما لا ينبغي (قَالَ) ◙ : (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) حقيقةً، لِمَا خلق الله فيه من القوَّة والاقتدار على ذلك. وقال القاضي عبد الجبَّار فيما نقله صاحب «آكام المرجان»: إذا صحَّ ما دللنا عليه من رقَّة أجسامهم وأنَّها(5) كالهواء لم(6) يمتنع دخولهم في أبداننا، كما يدخل الرِّيح والنَّفس المتردِّد _الَّذي هو الرُّوح_ في أبداننا، ولا يؤدِّي ذلك إلى اجتماع الجواهر في حيِّزٍ واحدٍ، لأنَّها لا تجتمع إلَّا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول، وإنَّما تدخل في أجسامنا كما يدخل الجسم الرَّقيق في الظُّروف. وقال ابن عقيلٍ: إن قال قائلٌ: كيف الوسوسة من إبليس وكيف وصوله إلى القلب؟ قل(7): هو كلامٌ _على ما قيل_ تميل إليه النُّفوس(8) والطَّبع، وقد قيل: يدخل في جسد ابن آدم، لأنَّه جسمٌ لطيفٌ، وهو أنَّه يحدِّث النَّفس بالأفكار الرَّديئة. قال الله تعالى: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}[الناس:5] فإن قالوا: هذا لا يصحُّ، لأنَّ القسمين باطلان، أمَّا حديثه فلو كان موجودًا لسُمِع بالآذان، وأمَّا دخوله في(9) الأجسام فالأجسام لا تتداخل، ولأنَّه نارٌ فكان يجب أن يحرق الإنسان. قل(10): أمَّا حديثه فيجوز أن يكون شيئًا تميل إليه النَّفس، كالسِّحر الَّذي يُتوِّقُ(11) النَّفسَ إلى المسحور وإن لم يكن صوتًا، وأمَّا قوله: لو أنَّه دخل فيه لتداخلت الأجسام ولاحترق الإنسان، فغلطٌ، لأنَّه ليس بنارٍ محرقةٍ وإنَّما أصل خلقتهم من نارٍ، والجسم اللَّطيف يجوز أن يدخل إلى مخاريق الجسم الكثيف، كالرُّوح عندكم والهواء الدَّاخل في جميع الأجسام، والجنُّ جسمٌ لطيفٌ، وقيل: المراد بإجرائه مجرى الدَّم: المجاز عن كثرة وسوسته(12)، فكأنَّه لا يفارقه، كما أنَّ دمه لا يفارقه، وذكر أنَّه يلقي وسوسته في مسامٍّ لطيفةٍ من البدن بحيث يصل إلى القلب. وعن ابن عبَّاسٍ فيما(13) رواه عبد الله بن أبي داود السِّجستانيُّ(14)، قال: «مثل الشَّيطان كمثل ابن عرسٍ، واضعٌ فمه على فم القلب فيوسوس إليه، فإذا ذكر الله خنس». وعن عروة بن رُوَيمٍ: أنَّ عيسى‼ ابن مريم دعا ربَّه أن يريه موضع الشَّيطان من ابن آدم، فإذا برأسه مثل الحيَّة واضعٌ رأسه على ثمرة القلب، فإذا ذكر الله خنس برأسه(15)، وإذا تُرِك(16) منَّاه وحدَّثه. وعن عمر بن عبد / العزيز _فيما حكاه السُّهيليُّ_: أنَّ رجلًا سأل ربَّه أن يريه موضع الشَّيطان، فرأى جسدًا يُرَى داخله من خارجه، والشَّيطان في صورة ضفدعٍ، عند نغض(17) كتفه(18)، حذاء قلبه، له خرطومٌ كخرطوم البعوضة، وقد أدخله إلى قلبه يوسوس، فإذا ذكر اللهَ العبدُ خنس، وعن أنسٍ(19) مرفوعًا: «إنَّ الشَّيطان واضعٌ خطمه على قلب ابن آدم، فإن(20) ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه» رواه ابن أبي الدُّنيا. (وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ) الشَّيطان (فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَو قَالَ: شَيْئًا) فتهلكان، فإنَّ ظنَّ(21) السُّوء بالأنبياء كفرٌ، أعاذنا الله من ذلك ومن سائر المهالك بمنِّه وكرمه.
          وهذا الحديث تقدَّم في «الاعتكاف» [خ¦2035].


[1] في (د): «عن زين العابدين عليٍّ».
[2] في (د): «بنت حييٍّ... ابنة»، وليس بصحيحٍ.
[3] «أي»: ليس في (د).
[4] «عن»: ليس في (ص).
[5] «وأنَّها»: ليس في (م).
[6] في (د): «لا».
[7] في (د): «قيل».
[8] في (ب) و(س): «النَّفس».
[9] «في»: ليس في (م).
[10] في (م): «قلت».
[11] في (م): «يفوق» ولعلَّه تحريفٌ.
[12] في (د): «الوسوسة».
[13] في (د): «ممَّا».
[14] في (د) و(م): «السَّختيانيُّ».
[15] «برأسه»: ليس في (ص).
[16] في (د): «تركه».
[17] في (م): «نقض» ولعلَّه تصحيفٌ.
[18] في (ب) و(س): «كتفيه».
[19] في (ص): «ابن عبَّاسٍ» والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (6/651).
[20] في (م): «فإذا».
[21] في (د): «الظَّنَّ».