إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش فهلم فصلوا عليه

          1320- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) بن يزيد الفرَّاء الرَّازيُّ الصَّغير قال: (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ) الصَّنعانيُّ: (أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن عبد العزيز (أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَطَاءٌ) هو ابن أبي رباحٍ: (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريَّ ( ☻ ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : قَدْ تُوُفِّي اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ) بفتح الحاء المهملة والموحَّدة، قال في «القاموس»: الحَبَشُ والحَبَشَة محرَّكتين(1)، والأَحْبُش _بضمِّ الباء_: جنسٌ من السُّودان، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”من الحُبْش“ بضمِّ المهملة وسكون الموحَّدة (فَهَلُمَّ) بفتح الميم، أي: تعالوا (فَصَلُّوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَصَفَفْنَا) بفاءين (فَصَلَّى النَّبِيُّ صلعم عليه وَنَحْنُ صُفُوفٌ) كذا ثبت في رواية المُستملي: ”ونحن صفوفٌ“ وفي الفرع وأصله(2) علامة السُّقوط على قوله: «عليه»، وعلى قوله: «صفوفٌ» للأَصيليِّ وأبي ذَرٍّ وابن عساكر، وزاد أبو الوقت عن الكُشْمِيْهَنِيِّ(3): ”معه“ بعد قوله: «ونحن»، ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «فصففنا» وقال ابن حجرٍ: إنَّ زيادة(4) المُستملي: ”ونحن صفوفٌ“ تصحِّح(5) مقصود التَّرجمة. انتهى. وحينئذٍ فعلى رواية غيره لا مطابقة، فالأحسن قول الكِرمانيِّ: «فصففنا» كما مرَّ، والواو في قوله: «ونحن صفوفٌ» للحال (قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ) بضمِّ الزَّاي وفتح الموحَّدة، محمَّد بن مسلم بن تَدْرُس _بفتح المثنَّاة الفوقيَّة وسكون الدَّال وضمِّ الرَّاء، آخره سينٌ مهملةٌ_ ممَّا وصله النَّسائيُّ (عَنْ جَابِرٍ) قال: (كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي) يوم صلَّى النَّبيُّ صلعم على النَّجاشيِّ، واستُدِلَّ به على مشروعيَّة الصَّلاة على الغائب، وبه قال الشَّافعيُّ ☼ (6) وأحمد وجمهور السَّلف، حتَّى قال ابن حزمٍ: لم يأت عن أحدٍ(7) من الصَّحابة منعه، قال الشَّافعيُّ، ممَّا قرأته في «سنن البيهقيِّ»: إنَّما الصَّلاة دعاءٌ للميِّت؛ وهو إذا كان مكفَّنًا(8) ميِّتًا يُصلَّى عليه، فكيف(9) لا ندعو له غائبًا أو في القبر بذلك الوجه الَّذي يُدعَى له به وهو ملفَّفٌ؟(10) وأجاب القائلون بالمنع؛ وهم الحنفيَّة والمالكيَّة عن قصَّة النَّجاشيِّ بأنَّه كان بأرضٍ لم يصلِّ عليه بها أحدٌ، فتعيَّنت عليه الصَّلاة(11) لذلك، أو أنَّه خاص بالنَّجاشيِّ؛ لإرادة إشاعة أنَّه مات مسلمًا، أو استئلاف قلوب الملوك الَّذين أسلموا في حياته‼، فليس ذلك لغيره، أو أنَّه كُشِف له صلعم عنه حتَّى رآه ولم يره المأمومون، ولا خلاف في جوازها، وتعقَّبه ابن دقيق العيد بأنَّه يحتاج إلى نقلٍ، ولا يثبت بالاحتمال. انتهى. وقال ابن العربيِّ: قال المالكيَّة: ليس ذلك إلَّا لمحمَّدٍ صلعم (12)، قلنا: وما عمل به محمَّد(13) صلعم تعمل به أمَّته؛ يعني: لأنَّ الأصل عدم الخصوصيَّة، قالوا: طُوِيَت له الأرض، وأُحضرت الجنازة بين يديه، قلنا: إنَّ ربَّنا لقادرٌ، وإنَّ نبيَّنا لأهلٌ لذلك، ولكن لا تقولوا إلَّا ما رأيتم، ولا تخترعوا من عند أنفسكم، ولا تحدِّثوا إلَّا بالثَّابتات / ، ودعوا الضِّعاف؛ فإنَّها سبيل تلافٍ إلى ما ليس له تلاف. انتهى. وفي «أسباب النزول» للواحديِّ بغير إسنادٍ عن ابن عبَّاسٍ، قال: كُشِفَ للنَّبيِّ صلعم عن سرير النَّجاشيِّ حتَّى رآه وصلَّى عليه، ولابن حِبَّان من حديث عِمران بن حُصينٍ: فقام وصفُّوا خلفه وهم لا يظنُّون إلَّا أن جنازته بين يديه، وقول المهلَّب: «إنَّه لم يثبت أنَّه صلَّى على ميِّتٍ غائبٍ غير النَّجاشيِّ» معارضٌ بقصَّة معاوية بن معاوية المزنيِّ المرويَّة _من حديث أنسٍ وأبي أمامة، ومن طريق سعيد بن المسيَّب والحسن البصريِّ_ مرسلةً(14)، فأخرج الطَّبرانيُّ ومحمَّد ابن الضُّريْس في «فضائل القرآن»، وسَمُّوَيْه في «فوائده» وابن منده والبيهقيُّ في «الدَّلائل» كلُّهم من طريق محبوب بن هلالٍ، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالكٍ قال: نزل جبريل على النَّبيِّ صلعم فقال: يا محمَّد؛ مات معاوية بن معاوية المزنيُّ، أتحبُّ أن تصلِّي عليه؟ قال: «نعم»، قال(15): فضرب بجناحيه، فلم تبق أَكَمَةٌ ولا شجرةٌ إلَّا تضعضعت، فرفع سريره حتَّى نظرَ إليه، فصلَّى عليه وخلفه صفَّان من الملائكة، كلُّ صفٍّ سبعون ألف ملك فقال: «يا جبريل بِمَ نال هذه المنزلة(16)؟قال: بحبِّ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1] وقراءته إيَّاها جائيًا وذاهبًا وقائمًا وقاعدًا وعلى كلِّ حالٍ». ومحبوب، قال أبو حاتمٍ: ليس بالمشهور، وذكره ابن حِبَّان في الثِّقات، وأوَّل حديث ابن الضُّريْس: كان النَّبيُّ صلعم بالشَّام...، وأخرجه ابن سنجر في «مسنده» وابن الأعرابيِّ وابن عبد البرِّ، وهو في «فوائد حاجب الطُّوسي(17)»، كلُّهم من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا العلاء أبو محمَّدٍ الثَّقفيُّ: سمعت أنس بن مالكٍ يقول: غزونا مع رسول الله صلعم غزوة تبوك، فطلعت الشمس يومًا بنورٍ وشعاعٍ وضياءٍ لم نره قبل ذلك، فعجب النَّبيُّ صلعم من(18) شأنها، إذ أتاه جبريل فقال: مات معاوية بن معاوية، وذكر نحوه، والعلاء أبو محمَّدٍ _هو ابن زيدٍ(19) الثَّقفيُّ_ واهٍ، وأخرج نحوَه ابنُ منده من حديث أبي أمامة، وأخرجه أبو أحمد الحاكم(20) في «فوائده»، والطَّبرانيُّ في «مسند الشَّاميين»، والخلَّال في «فضائل {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}»، وأمَّا طريق سعيد بن المسيَّب ففي «فضائل القرآن» لابن الضُّريس، وأمَّا طريق الحسن البصريِّ فأخرجها‼ البَغَويُّ وابن منده، فهذا الخبر قويٌّ بالنَّظر إلى مجموع طرقه، وقد يَحتَجُّ به من يجيز الصَّلاة على الغائب، لكنْ يدفعه ما ورد: أنَّه رُفِعَت الحُجُب حتَّى شاهد جنازته.
          وحديث الباب فيه التَّحديث، والإخبار، والسَّماع، والقول، وشيخ المؤلِّف رازيٌّ، وابن جريجٍ وعطاءٌ مكِّيَّان، وأخرجه أيضًا في «هجرة الحبشة» [خ¦3877]، ومسلمٌ في «الجنائز» والنَّسائيُّ في «الصَّلاة».


[1] في (م): «محرَّكين».
[2] «وأصله»: ليس في (م).
[3] ليس لأبي الوقت رواية عن الكشميهني، بل هو يروي عن الداودي عن السرخسي عن الفربري.
[4] في (ص) و(م): «بزيادة».
[5] في (ص) و(م): «يصحُّ».
[6] « ☼ »: ليس في (د).
[7] في (د): «واحد».
[8] في غير (م): «ملفَّفًا»، كذا في «الفتح».
[9] قوله: «إنَّما الصَّلاة دعاءٌ للميِّت؛ وهو إذا كان مكفَّنًا ميِّتًا يصلَّى عليه، فكيف»، سقط من (ص).
[10] «الذي يُدعى له به وهو ملفَّفٌ»: سقط من(ص) و(م).
[11] زيد في (د): «عليه».
[12] الصَّلاة مثبتٌ من (ب) و(س)،وكذا في الموضع اللَّاحق.
[13] «محمَّد»: ليس في (ب) و(س).
[14] في (م): «يرسله».
[15] «قال»: ليس في (م).
[16] في (د): «المرتبة».
[17] في (د): «الطرطوسيُّ»، وليس بصحيحٍ.
[18] في (ص): «في».
[19] في (ج): «زيدل»، وكتب بهامشها: «زيدل» باللَّام؛ كما في «التَّبصير».
[20] في غير (د): «والحاكم»، وليس بصحيحٍ.