إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فاحث في أفواههن التراب

          1299- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) العَنَزِيُّ البصريُّ الزَّمِن قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ) بن عبد المجيد الثَّقفيُّ (قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى) بن سعيدٍ الأنصاريَّ (قَالَ: أَخْبَرَتْنِي) بالإفراد (عَمْرَةُ) بفتح العين وسكون الميم، بنت عبد الرَّحمن بن سعد بن زرارة الأنصاريَّة المدنية (قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ♦ قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ) بالنَّصب على المفعوليَّة ( صلعم قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ) برفع لام «قتلُ» على الفاعليَّة، وهو زيدٌ، وأبوه بالمهملة والمثلَّثة، وضبَّب في «اليونينيَّة» على: «ابن» مِن «ابن حارثة»، فليُنظَر(1) (وَ) قَتْل (جَعْفَرٍ)‼ هو ابن أبي طالبٍ (وَ) قَتْل (ابْنِ رَوَاحَةَ) عبد الله، في غزوة مؤتة، وجواب لمَّا، قوله: (جَلَسَ) ╕ ، أي: في المسجد، كما في رواية أبي داود (يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ) قال في «شرح المشكاة»: حالٌ، أي: جلس حزينًا، وعَدل إلى قوله: «يُعرَف» ليدلَّ على أنَّه صلعم كظم الحزن كظمًا، وكان ذلك القدر الَّذي ظهر فيه من جبلَّة البشريَّة، وهذا موضع التَّرجمة، وهو(2) يدلُّ على الإباحة؛ لأنَّ إظهاره يدلُّ عليها، نعم إذا كان معه شيءٌ من اللِّسان أو اليد حَرُم، قالت عائشة ♦ : (وَأَنَا أَنْظُرُ) جملةٌ حاليَّةٌ (مِنْ صَائِرِ البَابِ) بالصَّاد المهملة المفتوحة والهمزة بعد الألف، كـ: لَاْبِنٍ وتامرٍ، كذا في الرِّواية، قال المازريُّ: والصَّواب: صِيْر الباب، بكسر الصَّاد وسكون التَّحتيَّة، وهو المحفوظ كما في «المجمَل» و«الصِّحاح»(3) و«القاموس» / ، وفسَّرته عائشة أو من(4) بعدها بقوله: (شَقِّ البَابِ) بفتح الشِّين المعجمة والخفض على البدليَّة، أي: الموضع الَّذي يُنظر منه، وفي تجويز الكِرمانيِّ كسر الشِّين نظرٌ؛ لأنَّه يصير معناه: النَّاحية، وليست بمرادة(5) هنا، كما نبَّه عليه ابن التِّين (فَأَتَاهُ) ╕ (رَجُلٌ) لم يقف الحافظ(6) على اسمه (فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ) امرأته أسماء بنت عُمَيس الخَثعميَّة ومن حضر عندها من النِّساء من أقارب جعفر وأقاربها، ومن في معناهنَّ، وليس لجعفر امرأةٌ غير أسماء، كما ذكره العلماء بالأخبار (وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ) حالٌ من المستتر في: «فقال»، وحُذِف خبر «إنَّ» من القول المحكي لدلالة الحال عليه، أي: يبكين عليه(7) برفع الصَّوت والنِّياحة، أو(8): ينُحْن، ولو كان مجرَّد بكاءٍ لم ينْه عنه؛ لأنَّه رحمةٌ (فَأَمَرَهُ) ╕ (أَنْ يَنْهَاهُنَّ) عن فعلهنَّ (فَذَهَبَ) فنهاهنَّ، فلم يطعنه؛ لكونه لم يسند النَّهي للرَّسول صلعم قال(9): (ثُمَّ أَتَاهُ) أي: أتى الرَّجل النَّبيَّ صلعم المرَّة (الثَّانِيَةَ) فقال: إنَّهن (لَمْ يُطِعْنَهُ)(10) حكاية قول الرَّجل، أي: نهيتهنَّ فلم يطعنني (فَقَالَ) ╕ : (انْهَض فانْهَهُنَّ) وفي نسخةٍ _وهي الَّتي في «اليونينيَّة» ليس إلَّا_: «انههنَّ» بدل «انهض»(11)، فذهب فنهاهنَّ، فلم يطعنه؛ لحملهن ذلك على أنَّه من قِبَل نفس الرَّجل (فَأَتَاهُ) أي: أتى(12) الرَّجل النَّبيَّ صلعم المرَّة (الثَّالِثَةَ قَالَ: وَاللهِ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللهِ) بلفظ جمع المؤنَّثة الغائبة، وللكُشْمِيْهَنِيِّ _كما في الفرع وأصله(13)_ ”والله لقد“ بزيادة «لقد»(14)، وقال ابن حجرٍ: وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”غَلَبتْنا“ بلفظ المفردة المؤنَّثة الغائبة، قالت عَمْرة: (فَزَعَمَتْ) عائشة (أَنَّهُ) ╕ (قَالَ) للرَّجل لمَّا لم ينتهين: (فَاحْثُ) بضمِّ المثلَّثة، أمرٌ، من: حثا يحثو، وبكسرها أيضًا، من: حثى يحثي (فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ) ليسدَّ(15) محلَّ النَّوح، فلا يتمكنَّ منه، أو المراد به: المبالغة في الزَّجر، قالت عائشة: (فَقُلْتُ) للرَّجل: (أَرْغَمَ اللهُ أَنْفَكَ) بالرَّاء والغين المعجمة، أي: ألصقه بالرَّغام، وهو التُّراب، إهانةً وذلًا، ودعت عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنِّسوة، لفهمها من(16) قرائن الحال أنَّه أحرج النَّبيَّ صلعم بكثرة(17) تردُّده إليه في ذلك (لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ) به (رَسُولُ اللهِ صلعم ) أي: من نهيهنَّ، وإن كان نهاهنَّ؛ لأنَّه لم يترتَّب على فعله الامتثال، فكأنَّه لم يفعله، أو لم يفعل الحثو بالتُّراب (وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللهِ صلعم مِنَ العَنَاءِ) بفتح العين المهملة(18) والنُّون والمدِّ، أي: المشقَّة والتَّعب، قال النَّوويُّ: معناه: أنَّك قاصرٌ عمَّا أُمرت به، ولم تخبره ╕ بأنَّك قاصرٌ حتَّى يرسل غيرك، ويستريح(19) من العناء، وقول ابن حجرٍ: لفظة: «لم»، يُعبَّر بها عن الماضي، وقولها(20) ذلك وقع قبل أن يتوجَّه‼، فمن أين علمت أنَّه لم يفعل؟ فالظَّاهر أنَّها قامت عندها قرينةٌ بأنَّه لا يفعل، فعبَّرت عنه بلفظ الماضي مبالغةً في نفي ذلك عنه، وفي الرِّواية الآتية بعد أربعة أبواب: فوالله ما أنت بفاعلٍ [خ¦1305]، وكذا لمسلمٍ وغيره، فظهر أنَّه من تصرُّف الرُّواة، تعقَّبه العينيُّ فقال: لا يقال لفظة: «لم» يُعبَّر بها عن الماضي، وإنَّما يقال: «لم» حرف جزمٍ لنفي المضارع وقلبه ماضيًا، وهذا هو الَّذي قاله أهل العربيَّة، وقوله: فعبَّرت عنه بلفظ الماضي، ليس كذلك؛ لأنَّه غير ماضٍ بل هو مضارعٌ، ولكن صار معناه معنى الماضي بدخول «لم» عليه(21).
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الجنائز» [خ¦1305] و«المغازي» [خ¦4263]، ومسلمٌ في «الجنائز» وكذا أبو داود والنَّسائيُّ.


[1] قوله: «وضبَّب في اليونينيَّة على: ابن مِن ابن حارثة، فليُنظَر»، سقط من (م).
[2] في (ص): «هذا».
[3] في (د): «المصباح».
[4] في (د): «ومَنْ».
[5] في (د): «بمرادٍ».
[6] في (ص) و(م): «لم يوقف على».
[7] «عليه»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[8] في (د): «أَيْ».
[9] «قال»: مثبتٌ من (م).
[10] زيد في (م): «أي».
[11] قوله: «وفي نسخةٍ؛ وهي الَّتي في اليونينيَّة ليس إلَّا: انههنَّ بدل انهض»، سقط من (م).
[12] «أتى»: ليس في (ب).
[13] «وأصله»: ليس في (م).
[14] «بزيادة لقد»: سقط من (د).
[15] في (ص): «فيسدَّ».
[16] في (ب): «عن».
[17] في (ص): «لكثرة».
[18] «المهملة»: ليس في (د).
[19] في (د): «وتستريح».
[20] زيد في (ب) و(د) و(س): «لها»، وهو تكرارٌ.
[21] قوله: «وقول ابن حجرٍ: لفظة: لم... الماضي بدخول لم عليه»، جاء سابقًا بعد قوله: «أو لم يفعل الحثو بالتُّراب».