الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الإبراد بالظهر في شدة الحر

          ░9▒ (باب: الإبْراد بالظُّهْر...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: قصد بذلك الرَّدَّ على الشَّافعيِّ في استحبابه تعجيل الظُّهر مطلقًا، ثُمَّ لمَّا كان الشَّافعيُّ ⌂ علَّل التَّعجيل بأنَّه الأصل، والتَّأخير حيث وَرَد، فإنَّه لعارضِ الانْتِيَاب مِنْ بُعْدٍ عَقَدَ للرَّدِّ على ذلك بابًا على حدةٍ، وهو التَّعجيل في السَّفر، فإنَّ النَّاس في السَّفر جميعٌ ولا انتياب. انتهى.
          وفي «هامشه»: لا يبعد عندي أنَّ الإمام البخاريَّ مع الإشارة إلى ما أفاده الشَّيخ أشار أيضًا إلى ردِّ قيودٍ قيَّد بها بعض العلماء أحاديث الإبراد، إذ لم يقيِّد ترجمته بشيءٍ مِنْ ذلك القيود، فقد قال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: أبردوا بالصَّلاة، أي: أخَّروا صلاة الظُّهر عند شدَّة الحر، وعند إرادة صلاتها بمسجد الجماعة حيث لا ظلَّ لمنهاجه في بلدٍ حارٍّ لا في بلدٍ معتدلٍ، ولا لِمَنْ يصلِّي في بيته منفردًا ولا لجماعة مسجدٍ لا يأتيهم غيرهم... إلى آخر ما قال.
          فإطلاق التَّرجمة يرد على هذه القيود كلِّها.
          ثُمَّ لا يذهب عليك أنَّ الإمام البخاريَّ قدَّمه على أوَّل وقت الظُّهر، قال العينيُّ: إنَّما قدَّمه للاهتمام به، وقال الحافظ: قدَّمه لأنَّ لفظ (الإبراد) يستلزم أن يكون بعد الزَّوال لا قبله، فكأنَّه أشار إلى أوَّل وقت الظُّهر، أو أشار إلى حديث جابرٍ، قال: ((كان بلالٌ ☺ يؤذِّن الظُّهر إذا دَحَضَت الشَّمس))(1) أي: مالت. انتهى.
          وأنت خبيرٌ بأنَّ هذا أبعد مِنْ قول العينيِّ، لأنَّ الإمام يترجم بأوَّل وقت الظُّهر قريبًا نصًّا فأيُّ فاقةٍ إلى الإشارات؟
          والأوجه عندي أنَّ تقديمه للإشارة إلى الباب السَّابق، فإنَّ المصلِّي إذا كان يناجي ربَّه فالأولى ألَّا يناجيه في شدَّة الحرِّ، لأنَّ المناجاة في شدَّة الحر لا تورث لذَّةً وخشوعًا، وتقدَّم قريبًا (باب: الصَّلاة فِي مَوْضِع العَذاب) فكما لا ينبغي الصَّلاة في موضع العذاب، أجدر ألَّا ينبغي في وقتٍ يظهر فيه أثر العذاب، لأنَّ شدَّة الحرِّ مِنْ فيح جهنَّم... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».


[1] أخرجه مسلم، كتاب المساجد، باب متى يقوم الناس للصلاة، (رقم 606)