الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الصلوات الخمس كفارة

          ░6▒ (باب: الصَّلوات الخَمس...) إلى آخره
          هاهنا بحثان:
          الأوَّل: الفرق بين هذه التَّرجمة وبين ما سبق مِنْ (باب: الصَّلاة كفَّارةٌ) قال الحافظ: هي أخصُّ مِنَ التَّرجمة السَّابقة، لأنَّ الأولى يتناول الخمس وغيرها، والأوجه عندي أنَّ قوله: (إذا صلَّاهنَّ لوقتهنَّ) ليس بفارقٍ بين التَّرجمتين(1)، لأنَّ هذا القيد وإن لم يذكر فيما سبق نصًّا، لكنَّه ملحوظٌ معنًى لذكره إيَّاها في كتاب المواقيت، وإلَّا لم يبق لذكره وجهٌ هاهنا، فالغرض عندي بهذه التَّرجمة أنَّ الصَّلاة مكفِّرةٌ سواءٌ صُلِّيت بالجماعة أو بغيرها، وعلى هذا فالفرق واضحٌ.
          والبحث الثَّاني أنَّ تمثيله صلعم بالغسل في النَّهر ظاهره غسل جميع الخطايا سواء كانت صغيرة أو كبيرةً، واتَّفقوا على أنَّ أمثال هذه الأحاديث مقيَّدةٌ بالصَّغائر، للنُّصوص الأخر مِنَ القرآن والأحاديث، خلافًا للمرجئة فعندهم أفعال الخير مكفِّرةٌ للصَّغائر والكبائر.
          وأجاد الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «الكوكب» الكلام عليه، وحاصله أنَّ مراتب الغَسل متفاوتةٌ جدًّا، فمِنْ غاسلٍ ليس له غير سقوط الفرض لو جنبًا، وغير البرد لو طاهرًا، أو مِنْ غاسلٍ يهتمُّ باغتساله بالصَّابون وغيره، وآخر منهم يدخل الحمام فلا يخرج منه في أقل مِنْ نصف يومٍ، أفتراهم تساووا في تحصيل النَّظافة؟ لا والله(2). انتهى.
          يعني: فكذلك بالوضوء تحصل الدَّرجة الأولى، وبالصَّلاة معه الدَّرجة الثَّانية، وبالتَّوبة الدَّرجة الثَّالثة.
          وأجاب عنه السِّنديُّ بجوابٍ آخر وهو لطيفٌ جدًّا وحاصله أنَّ أثر الصَّغائر يكون على ظاهر البدن، كما يدلُّ عليه حديث خروج المعاصي عن أعضاء الوضوء، وأثر الكبائر يكون على الباطن كما في حديث الآخر: أنَّ المؤمن إذا ارتكب معصيةً تحصل في قلبه نقطةٌ سوداء، فكما أنَّ الغسل يذهب بدرن الظَّاهر دون الباطن فكذلك الصَّلاة تُكَفِّر(3).
          ويمكن عندي أن يجاب عنه.
          ثالثًا: أنَّ الدَّرن ولو كان على ظاهر البدن تتفاوت مراتبه جدًّا، فإنَّ الدَّرن لو كان بمثل التُّراب والحمأ وغير ذلك يزول بمجرَّد الغسل بداهةً، لكنَّه إن كان قَارًا مثلًا لا يزول عن البدن أصلًا لا بمجرَّد الغسل ولا بالصَّابون، حتَّى يلطَّ(4) عليه شيءٌ آخر يزيله كالنِّفط، فالصَّغائر بمنزلة الأوَّل، والكبائر بمنزلة القار لا تزول إلَّا بمزيلٍ خاصٍّ لذلك، وهو التَّوبة والنَّدم. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((الترجمة)).
[2] الكوكب الدري:3/459
[3] حاشية السِّندي:1/70 بتصرف وفيه قوله: فكذلك الصَّلاة فتفكروا
[4] لط بالأمر يلط لطا لزمه، ولططت الشيء ألصقته، (لسان العرب7/390).