الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إسلام سلمان الفارسي

          ░53▒ (باب: إسلام سلمان الفارسيِّ ☺ )
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: أي: هذا باب في ذكر شيء فيه دلالة على إسلام سلمان الفارسيِّ، وقد مضى في كتاب البيوع في (باب: الشِّراء مِنَ المشركين) كيفيَّةُ إسلام سلمان ومكاتبتِه، وقصَّتُه مشهورة، وولَّاه عمر ☺ العراق، وكان يعمل في الخوص بيده، فيأكل منه، عاش مئتين وخمسين سَنةً بلا خلاف، وقيل: ثلاث مئة وخمسين، وقيل: إنَّه أدرك وحي عيسى بن مريم ♂، ومات بالمدائن سَنة ستٍّ وثلاثين. انتهى.
          قلت: وبسط ترجمته في «هامش اللَّامع» وفيه قال الحافظ في «الإصابة»: سلمان الفارسيُّ، ويقال له: سلمان الخير، وقال ابن حِبَّان: مَنْ زعم أنَّ سلمان الخير آخَر فقد وهم. وكان أوَّل مشاهده الخندق، وشهد بقيَّة المشاهد، وقال ابن عبدِ البرِّ: يقال: إنَّه شهد بدرًا، رُويت قصته مِنْ طُرُق كثيرة، وفي سِيَاق قِصَّتِه في إسلامه اختلاف يتَعَسَّر الجمع فيه. انتهى.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ في شرح قوله: ((أنَّه تَدَاوَلَه بِضْعَةَ عَشَر مِنْ رَبٍّ إلَى رَبٍّ)) أي: أخَذَه سَيِّد مِنْ سَيِّد، وكان حُرًّا فظلموه وبَاعُوه، وذلك أنَّه هرب مِنْ أبيه لطلب الحقِّ، وكان مجوسيًّا فلحق براهبٍ ثمَّ براهبٍ ثمَّ بآخر، وكان يصحبهم إلى وفاتهم حتَّى دلَّه الأخير على ظهور النَّبيِّ صلعم فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به فباعوه في وادي القرى [ليهوديٍّ]، ثمَّ اشتراه منه يهوديٌّ آخر مِنْ بني قُريظة، فقدم به المدينة، فلمَّا قدم النَّبيُّ صلعم المدينة ورأى علامات النُّبوَّة أسلم، فقال له رسول الله صلعم: ((كاتبْ عن نفسك)) فكاتبَ على أن يغرس ثلاث مئة نخلة وأربعين أوقيَّة مِنْ ذهب، فغرس له صلعم بيده المباركة الكلَّ، وقال: ((أعينوا أخاكم)) فأعانوه حتَّى أدَّى ذلك كلَّه ثمَّ ذكر مدَّة عمره كما تقدَّم في كلام العينيِّ.
          وكتب شيخُنا مولانا خليل المحدِّث السَّهانفوريُّ في «بذل المجهود شرح سُنن أبي داود» في ترجمة سلمان الفارسيِّ:
          قال الحافظ في «تهذيب التَّهذيب»: قرأت بخطِّ أبي عبد الله الذَّهبيِّ: رجعت عن القول بأنَّه قارب ثلاث مئة أو زاد عليها، وتبيَّن لي أنَّه ما جاوز الثَّمانين، ولم يذكر مستنده في ذلك. انتهى.
          (قوله: فترة بين عيسى ومحمَّد صلعم ستَّة مئة سنة)
          كتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» فيه إتمام الكسر عددًا فإنَّ الأكثر مِنْ خمس مئة يُعَدُّ(1) ستَّ مئة في العرف، وكثيرًا ما يسقط الكسر أيضًا، وكلاهما جارٍ، والله تعالى أعلم، وعلمُه أتمُّ وأحكم.
          تمَّ المجلد الأوَّل مِنْ «تقريرات على البخاريِّ». انتهى.
          وفي «هامشه» قال الحافظ: المراد بالفترة المدَّة الَّتي لا يُبْعَث فيها رسول مِنَ الله، ولا يَمْتَنِع أن يُنبَّأَ فيها مَنْ يدعو إلى شريعة الرَّسول الأخير، ونقل ابن الجوزيِّ الاتِّفاق على ما اقتضاه حديث سلمان هذا، وتُعُقِّب بأنَّ الخلاف في ذلك منقول، فعن قتادة: خمس مئة وستِّين سنة، أخرجه عبد الرَّزَّاق / عن مَعْمَر عنه، وعن الكلبيِّ: خمس مئة وأربعين، وقيل: أربع مئة سَنة، ووجهُ تعلُّق هذه الأحاديث بإسلام سلمان الإشارة إلى أنَّ الأحاديث الَّتي وردت في سياق قصَّته ما هي على شرطِ البخاريِّ في «الصَّحيح»، وإن كان إسناد بعضها صالحًا، وأمَّا أحاديث الباب: فمُحَصِّلها أنَّه أسْلم بعد أنْ تَدَاوله جماعةٌ بالرِّقِّ، وبعد أنَّ هَاجَر مِنْ وطنه وغاب عنه هذه المدَّة الطَّويلة حتَّى منَّ الله عليه بالإسلام طَوعًا. انتهى.
          ثم لا يذهب عليك أنَّ الحافظ ⌂ قال في مقدِّمة «الفتح» في ذكر مناسبة التَّرتيب بين الأبواب: إنَّ الإمام البخاريَّ ساق المغازيَ على ترتيب ما صحَّ عنده، وبدأ بإسلام ابن سلَام تفاؤلًا بالسَّلامة في المغازي. انتهى.
          كذا أفاد، والأوجَهُ عندي أن يقال: بدأ بإسلام سلمان الفارسيِّ فإنَّ هذا الباب هو المتَّصل بكتاب المغازي، ولم يُتَرْجم البخاريُّ بباب إسلام عبد الله بن سلَام، بل ذكر حديث إسلامه قبل (باب: إتيان اليهود النَّبيَّ صلعم حين قدم المدينة) وما كتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه: تمَّ المجلَّد الأوَّل... إلى آخره، مبنيٌّ على ما في أيدينا مِنَ «النُّسخ المطبوعة الهنديَّة» كما ترى، وأمَّا بحسب «نسخ الشُّروح» فمنتصف «كتاب البخاريِّ» على (باب: مناقب عائشة) كما تقدَّم هناك، ثمَّ البراعة عندي كما أفاده الحافظ في لفظ الفترة، وهو ظاهر.


[1] في (المطبوع): ((بعد)).