الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة

          ░45▒ (باب: هِجْرَة النَّبيِّ صلعم )
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: بإذن الله ╡ له في ذلك بقوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء:80]، بعد بيعة العقبة بشهرين وبضعة عشر يومًا.
          قوله: (وأصحابه) أبي بكر وعامر بن فهيرة، وصاحبين له مِنْ مكَّة (إلى المدينة) و[كان] قد هاجر بين العقبتين جماعة ابن أمِّ مكتوم وغيره. انتهى.
          زاد الحافظ: ذكر الحاكم أنَّ خروجه صلعم مِنْ مكَّة كان بعد بيعة العقبة بثلاثة أشهر أو قريبًا منها، وجزم ابن إسحاق بأنَّه خرج أوَّل يوم مِنْ ربيعٍ الأول، فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يومًا، وكذا جزم به الآمديُّ في «المغازي» عن ابن إسحاق، فقال: كان مَخْرَجه مِنْ مكَّة بعد العقبة بشهرين وَلَيالٍ، قال: وخرج لهلال ربيع الأوَّل، وقدم المدينة لاثنتي عشرة خلت مِنْ ربيعٍ الأوَّل، قلت: وعلى هذا خرج يوم الخميس، وأمَّا أصحابه فتوجَّه معه منهم(1) أبو بكر الصِّدِّيق وعامر بن فُهيرة، وتوجَّه قبل ذلك بين العقبتين جماعة منهم ابن أمِّ مكتوم، ويقال: إنَّ أوَّل مَنْ هاجر إلى المدينة أبو سَلَمة بن عبد الله الأشهليُّ(2) المخزوميُّ زوج أمِّ سلمة، وقدم المدينة بُكْرَة، وقدم بعده عامر بن ربيعة عشِيَّةً، ثمَّ توجَّه مُصْعب بن عُمَيْر ليُفَقِّه مَنْ أسلم مِنَ الأنصار، ثمَّ كان أوَّلَ مَنْ هاجر بعد بيعة العقبة: عامرُ بن ربيعة على ما ذكر ابن إسحاق، وسيأتي ما يخالفه في الباب الَّذِي يليه وهو قول البراء: أوَّل مَنْ قَدِمَ علينا مِنَ المهاجرين مُصْعَب بن عُمَير... إلى آخره، ثمَّ توجَّه باقي الصَّحابة شيئًا فشيئًا، كما سَيَأتي في الباب الَّذِي يَلِيه، ثمَّ لمَّا توجَّه النَّبيُّ صلعم واستقرَّ بها خرج مَنْ بقي مِنَ المسلمين، وكان المشركون يمنعون مَنْ قدروا على منعِه منهم، فكان أكثرهم يخرج سرًّا إلى أن لم يبقَ منهم بمكَّة إلَّا مَنْ / غُلِب على أمره مِنَ المستضعفين. انتهى مِنَ «الفتح».
          وفي «تاريخ الخميس»: قال أصحاب السِّير: لمَّا استقرَّ رأي قريش بعد المشاورة على قتله صلعم أتاه جبريل وأخبره بذلك، وقال: لا تَبِتْ هذه اللَّيلة على فراشك الَّذِي كنت تَبِيْت عليه، وأذن الله له(3) عند ذلك بالخروج إلى المدينة، كذا في «معالم التَّنزيل».
          وفي رواية قال له [جبريل]: إن الله يأمركم بالهجرة، وفي «شواهد النُّبوَّة»: لمَّا أُمر صلعم بالهجرة سأل جبريلَ عمَّن يهاجر معه، قال: أبو بكر الصِّدِّيق، فمِنْ ذلك اليوم سمَّاه الله صِدِّيقًا، وعن ابن عبَّاسٍ قال: إنَّ الله أذن لنبيِّه(4) في الهجرة بهذه الآية: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ} الآية [الإسراء:80] أخرجه التِّرمذيُّ وصحَّحه، والحاكم، كذا في «الوفاء» و«المواهِبِ اللَّدنِّيَّة». انتهى مختصرًا.
          ثم ذكر المصنِّف في الباب نحوًا مِنْ ستَّة وعشرين حديثًا.
          وقال الحافظ في شرح أثر عائشة: (لا هِجْرَة اليَوم كَان المؤمِنُون يَفِرُّ أَحَدُهم بدِينه...) إلى آخره أشارت عائشة إلى بيان مشروعيَّة الهجرة، وأنَّ سببها خوف الفتنة، والحُكم يدور مع عِلَّتِه، فمقتضاه أنَّ مَنْ قَدَر على عبادة الله في أي موضعٍ اتَّفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلَّا وجبت. ومِنْ ثَمَّ قال الماورديُّ: إذا قدر على إظهار الدِّين في بلد مِنْ بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضَل مِنَ الرِّحلة منها لِما يُتَرَجَّى مِنْ دخول غيره في الإسلام، وقالَ الخطَّابيُّ: وكانت الهجرة أي: إلى النَّبيِّ صلعم في أوَّل الإسلام مطلوبة، ثمَّ افْتُرِضَت لمَّا هاجر إلى المدينة إلى حضْرته للقِتَال معه، وتعلُّم شرائع الدِّين، وقد أكَّد الله ذلك في عدَّة آيات حتَّى قطع الموالاة بين مَنْ هاجر ومَنْ لم يهاجر، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال:72] فلمَّا فُتِحَت مكَّة ودخل النَّاس في الإسلام مِنْ جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب ... إلى آخر ما في «الفتح».
          قوله في حديث أنس: (أقبل نبيُّ الله صلعم إلى المدينة، وهو مردِفٌ أبا بكر ☺ ...) إلى آخره قالَ العلَّامةُ السِّنديُّ: كأنَّه وقع كذلك أحيانًا، أو المعنى: أنَّ راحلته متأخِّرة عن راحلة النَّبيِّ صلعم، وإلَّا فهما كانا على راحلتين على مقتضى الأحاديث الأخر. انتهى. وبسط الكلام عليه في «هامش اللَّامع» في كتاب المغازي.


[1] قوله: ((منهم)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((أبو سلمة بن عبد الأشهل)).
[3] قوله: ((له)) ليس في (المطبوع).
[4] في (المطبوع): ((آذَنَ نبيه)).