الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما لقى النبي وأصحابه من المشركين بمكة

          ░29▒ (باب: ذكر مَا لَقِيَ النَّبيُّ صلعم وأَصْحَابُه مِنَ المُشْرِكِين بمكَّة)
          أي: مِنْ وجوه الأذى، وذكر فيه أحاديث في المعنى، وقد تقدَّم في (ذكرِ الملائكة) مِنْ بدء الخلق حديثُ عائشة أنَّها قالت للنَّبيِّ صلعم: (هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ مِنْ يوم أُحد؟ قال: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ) فذكر قصَّته بالطَّائف، وروى أحمدُ والتِّرمذيُّ وابن حِبَّان عن أنسٍ مرفوعًا: ((لَقَدْ أُوذِيتُ فِي الله وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَأُخِفْتُ فِي الله وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ)) الحديث، وقد استُشكل بما جاء مِنْ صفات ما أُوذي به الصَّحابة، كما سيأتي لو ثبت، ثمَّ ذكر بعض تلك الرِّوايات الواردة في أذى الصَّحابة، ثمَّ قال: وأُجيبَ بأنَّ جميع ما أُوذي به أصحابه كان يتأذَّى هو به لكونه بسببه، واستُشكل أيضًا بما أوذي به الأنبياء مِنَ القتل كما في قصَّة زكريَّا وولده يحيى، ويجاب بأنَّ المراد هنا غير إزهاق الرُّوح. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقال أيضًا: تنبيه: كان حقُّ هذا الحديث_أي الحديث الثَّاني حديث ابن مسعود_ أن يُذكر في (باب: الهجرة إلى الحبشة) المذكور بعد قليل، فسيأتي فيها أنَّ سجود المشركين المذكور فيه كان سببَ رجوع مَنْ هاجر الهجرة الأُولى إلى الحبشة لظَنِّهم أنَّ المشركين كلَّهُم أسْلَمُوا، فلمَّا ظهر لهم خلاف ذلك هاجروا الهجرة الثَّانية. انتهى.
          قلت: ويمكن عندي أن يوجَّه أنَّ ذلك لمَّا كان سببًا لزيادة المشقَّة والتَّعب في حقِّ الصَّحابة ذكره في هذا الباب.