الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب مقدم النبي وأصحابه المدينة

          ░46▒ (باب: مَقْدَم النَّبيِّ صلعم [وأصحابِه المدينةَ])
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: أي هذا باب في بيان قدوم النَّبيِّ صلعم، وقدوم أصحابه المدينة. وكان وصول النَّبيِّ صلعم إلى قباء يوم الاثنين أوَّل شهر ربيعٍ الأوَّل، ومَرَّ الكلام فيه عن قريب، وكان وصول أكثر أصحابه قبله، ونزل رسول الله صلعم على كُلْثُوم بن الْهَدم، قاله ابن شهاب.
          وقيل: نزل على سَعد بن خَيْثَمة، وجَمَع بينهما بأنَّ نزوله كان على كُلْثُوم، وكان يجلس مع أصحابه عند سَعْد بنِ خَيْثَمة لأنَّه كان أعزب، وكان يقال لبيته: بيت العُزَّاب، قال ابن شهاب: وبلغ عليَّ بن أبي طالب نزولُه صلعم آمنًا بقباء، فركب راحلته، فلحق به وهو بقباء. انتهى.
          وشرح العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ في التَّرجمة بقوله: (باب: مَقْدَم النَّبيِّ صلعم إلى قُبَاء يوم الاثنين أوَّل ربيع الأوَّل) وقيل: في ثامنه، (ومقدم) أكثر (أصحابه المدينة قبله) . انتهى.
          وقال الحافظ تحت الباب: تقدَّم بيان الاختلاف فيه في آخر شرح حديث عائشة الطَّويل في شأن الهجرة، وقال هناك: دخل المدينة بعد أن استهلَّ ربيعٌ الأوَّل، ثمَّ قال: أقلُّ ما قيل أنَّه دخل في اليوم الأوَّل منه، وأكثر ما قيل أنَّه دخل في الثَّاني عشر منه.
          وقال أيضًا في شرح قوله: (حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف) ومنازلهم بقباء، وهي على فرسخ مِنَ المسجد النَّبويِّ بالمدينة، وكان نزوله على كُلْثُوم بن الهَرِم، وقيل: كان يومئذٍ مشركًا، وجزم به محمَّد بن الحسن بن زَبَالَة في «أخبار المدينة».
          قوله: (و / ذلك يوم الاثنين مِنْ شهر ربيعٍ الأوَّل) وهذا هو المعتمد. وشذَّ مَنْ قال: يوم الجمعة في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب ((قَدِمَها لهلال ربيعٍ الأوَّل)) أي: أوَّل يوم منه. وفي رواية جرير بن خازم(1) عن ابن إسحاق: ((قَدِمها لليلتين خَلَتا مِنْ شهر ربيعٍ الأوَّل)) ونحوه عند أبي مَعْشر، لكن قال: ((ليلة الاثنين)) ومثله عن ابن البرقيِّ، وثبت كذلك في أواخر «صحيح مسلم» وفي رواية إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق: ((قَدِمَها لاثنتي عشرة ليلة خلت مِنْ ربيعٍ الأوَّل)).
          وعند أبي سعيد في «شرف المصطفى» مِنْ طريق أبي بكر بن حَزْم: ((قدم لثلاث عشرة مِنْ ربيعٍ الأوَّل)) فهذا يُجْمَع بينه وبين الَّذِي قبله بالحمل على الاختلاف في رؤية الهلال، وعنده مِنْ حديث عمر: ((ثمَّ نزَل على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين للَيْلَتَيْن بَقِيَتا مِنْ ربيعٍ الأوَّل)) كذا فيه، ولعلَّه كان فيه (خلتا) ليوافق رواية جرير بن حازم، وعن ابن شهاب: (في نصف ربيعٍ الأوَّل) وقيل: كان قدومه في سابعه، وجزم ابن حزم بأنَّه خرج مِنْ مكَّة لثلاث ليالٍ بقين مِنْ صَفَر، وهذا يُوافق قول هشام بن الكلبيِّ: ((إنَّه خرج مِنَ الغار ليلة الاثنين أوَّل يوم مِنْ ربيعٍ الأوَّل)) فإن كان محفوظًا فلعلَّ قدومه قباء كان يوم الاثنين ثامن ربيعٍ الأوَّل، وإذا ضُمَّ إلى قول أنس: ((إنه أقام بقباء أربع عشرة ليلةً)) خرج منه أن دخوله المدينة كان لاثنين وعشرين منه، لكنَّ الكلبيَّ جزم بأنَّه دخلها لاثنتي عشرة خلت منه، فعلى قوله تكون إقامته بقباء أربع ليال فقط، وبه جزم ابن حِبَّان فإنَّه قال: ((أقام بها الثُّلاثاء والأربعاء والخميس)) يعني: وخرج يوم الجمعة، فكأنَّه لم يعتدَّ بيوم الخروج ولا الدُّخول، وعن قوم مِنْ بني عمرو بن عوف أنَّه أقام فيهم اثنين وعشرين يومًا حكاه الزُّبير بن بكَّار، والأكثر أنَّه قَدِمَ نهارًا، ووقع في رواية مسلم: ليلًا، ويُجمع بأنَّ القدوم كان آخر اللَّيل فدخل نهارًا. انتهى مِنَ «الفتح».
          وفي «تاريخ الخميس»: وفي «سيرة أبي محمَّد عبد الملك بن هشام» عن محمَّد بن إسحاق المطَّلبيِّ قال: قدم علينا رسول الله صلعم يوم الاثنين حين اشتدَّ ضحًى [الضُّحى] (2) وكادت الشَّمس تعتدلُ لاثنتي عشرة ليلة مضت مِنْ ربيعٍ الأوَّل، وهو التَّاريخ فيما قاله ابن هشام... إلى آخر ما بسط.
          وقال أيضًا: قيل(3): كان أوَّلَ ما سُمع مِنَ النَّبيِّ صلعم: ((أَفْشُوا السَّلام، وَأَطْعِمُوا الطَّعام، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيل وَالنَّاس نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجنَّة بِسَلَامٍ)) وأكثر أهل السِّير أنَّ ذلك اليوم كان يوم الاثنين، وشذَّ مَنْ قال: يوم الجمعة مِنْ ربيعٍ الأوَّل في الضَّحوة الكبرى قريبًا مِنْ نصف النَّهار، وبسط الكلام أيضًا على مدَّة إقامته صلعم بقباء.


[1] في (المطبوع): ((حازم)).
[2] قوله: (([الضحى])) ليس في (المطبوع) .
[3] في (المطبوع): ((قبل)).