الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب المعراج

          ░42▒ (باب: المِعْرَاج)
          كذا للأَكْثر، وللنَّسَفيِّ <قصَّة المِعرَاج> وهو بكسر الميم، وحُكِي ضَمُّها، مِنْ عَرَجَ_بفتح الرَّاء_ يَعْرُجُ _بضمِّها_ إذا صَعِد، وقد اخْتُلِف في وقت المعراج، فقيل: كانَ قَبْلَ المبعث، وهو شَاذٌّ إلَّا إنْ حُمِل على أنَّه وَقَع حينئذٍ في المنام كما تقدَّم، وذهب الأكثر إلى أنَّه كان بَعْدَ المَبْعَث.
          ثم اختلفوا فقيل: قبل الهجرة بسَنةٍ، قاله ابن سعد وغيره، وبه جزم النَّوويُّ، وبالغ ابنُ حزم، فنقل الإجماع فيه، وهو مردود، فإنَّ في ذلك اختلافًا كثيرًا يزيد على عشرة أقوال منها ما حكاه ابن الجوزيِّ أنَّه كان قبلها بثمانية أشهر، وقيل: بستَّة أشهر، وحكى هذا الثَّاني أبو الرَّبيع بن سالم، وحكى ابن حزم مقتضى الَّذِي قبله لأنَّه قال: كان في رجب سَنة اثنتي عشرة مِنَ النُّبوَّة(1)، وقيل: بأحد عشر شهرًا، جزم به إبراهيمُ الحربيُّ حيث قال: كان في ربيعٍ الآخر قبل الهجرة بسَنة، ورجَّحَه ابن المنيِّر في «شرح السِّيرة» لابن عبدِ البرِّ: وقيل: قبل الهجرة بسَنة وشهرين حكاه ابن عبدِ البرِّ، وقيل: قبلها بسَنة وثلاثة أشهر حكاه ابن فارس، وقيل: بسَنة وخمسة أشهر، قاله(2) السُّدِّيُّ، وأخرجه مِنْ طريقه الطَّبَريُّ والبَيْهَقيُّ، فعلى(3) هذا كان في شوَّالٍ أو في رمضان على إلغَاء الكَسْرَين منه ومِنْ ربيعٍ الأوَّل، وبه جزم الواقديُّ، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة، وحكاه ابن عبدِ البرِّ: أنَّه كان قبلها بثمانية عشر شهرًا، وعند ابن سعد عن بن أبي سَبْرَة: أنَّه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، وقيل: كان في رجب حكاه ابن عبدِ البرِّ وجزم به النَّوويُّ في «الرَّوضة» وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، حكاه(4) ابن الأثير، وحكى عياض وتبعه القُرْطبيُّ والنَّوويُّ عن الزُّهْريِّ أنَّه كان قبل الهجرة بخمس سنين، ورَجَّحَه عياض ومَنْ تبعه، واحتجَّ بأنَّه لا خلاف أنَّ خديجة صلَّت معه بعد فرض الصَّلاة، ولا خلاف أنَّها تُوفِّيت قبل الهجرة إمَّا بثلاث أو نحوها وإمَّا بخمس، ولا خلاف أنَّ فرض الصَّلاة كان ليلة الإسراء.
          قلت: في جميع ما نفاه مِنَ الخلاف نظر:
          أمَّا أوَّلًا: فإنَّ العسكريَّ حكى أنَّها ماتَتْ قبل الهجرة بسبع سنين، وقيل: بأربع، وعن ابن الأعرابيِّ: أنَّها ماتت عام الهجرة.
          وأمَّا ثانيًا: فإنَّ فرضَ الصَّلاة اختُلِفَ فيه، فقيل: كان مِنْ أوَّل البعثة، وكان ركعتين بالغَداة وركعتين بالعَشيِّ، وإنَّما الَّذِي فُرض ليلة الإسراء الصَّلواتُ الخمس.
          وأمَّا ثالثًا: فقد تقدَّم في ترجمة خديجة في الكلام على حديث عائشة / في بدء الخلق أنَّ عائشة جَزَمت بأنَّ خديجة ماتت قبل أن تُفْرَض الصَّلاة.
          وأمَّا رابعًا: ففي سَنة موت خديجة اختلاف آخر، فحَكَى العسكريُّ عن الزُّهْريِّ أنَّها ماتت لسبع مضين مِنَ البعثة، وظاهره أنَّ ذلك قبل الهجرة بستِّ سنين، فَرَّعَه العسكريُّ على قول مَنْ قال: إنَّ المدَّة بين البعثة والهجرة كانت عشرًا. انتهى كلُّه مِنَ «الفتح».
          وبسط الحافظ الكلام في شرح حديث الباب أشدَّ البسط، وذكر قصَّة المعراج صاحب «مجمع البحار» في السَّنة الثَّانية عشر مِنَ المبعث، وكذا صاحب «الخميس»، ومِنَ المباحث الَّتي ذكرها العلماء في حديث المعراج ما قال الحافظ، وبسطه شارح «المواهب» أيضًا: وقد اختُلف في الحكمة في اختصاص كلٍّ مِنَ الأنبياء بالسَّماء الَّتي التقاه بها، فقيل: ليظهر تفاضُلُهم في الدَّرَجات، وقيل: لمناسبة تتعلَّق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم مِنَ الأنبياء، فقيل: أُمِروا بمُلَاقَاته، فمِنْهُمْ مَنْ أدْرَكه في أوَّل وَهْلَة، ومنهم مَنْ تأخَّر فلَحِقَ، ومنهم مَنْ فاته، وهذا زيَّفَه السُّهيليُّ فأصاب، وقيل: الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين للإشارة إلى ما سيقع له صلعم مع قومه مِنْ نظير ما وقع لكلٍّ منهم، ثمَّ بسطه الحافظ.


[1] قوله: ((وحكى هذا الثاني أبو الربيع بن سالم، وحكى ابن حزم مقتضى الذي قبله، لأنَّه قال: كان في رجب سَنة اثنتي عشرة من النبوة)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((قال)).
[3] في (المطبوع): ((وعلى)).
[4] في (المطبوع): ((خطاه)).