الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: كيف آخى النبي بين أصحابه

          ░50▒ (باب: كَيْفَ آخَى النَّبيُّ صلعم بين أصحابه...) إلى آخره
          تقدَّم في مناقب الأنصار: (باب: إخَاء(1) النَّبيِّ صلعم بين المهَاجِرين والأَنْصَار) ولا يُتوهَّم التَّكرار بينهما لاختلاف المقاصد، فإنَّ الغرض مِنَ الأوَّل بيانُ فضيلة الأنصار، والمقصود هاهنا ذكر(2) ما وقع بعد الهجرة، وفرق آخر وهو أنَّ المقصود هناك ذكر المؤاخاة نفسها وهاهنا بيان كيفيَّتها.
          [قال الحافظ] قال ابن عبدِ البرِّ: كانت المؤاخاة مرَّتين: مرَّةً بين المهاجرين خاصَّة، وذلك بمكَّة، ومرَّةً بين المهاجرين والأنصار، فهي المقصودة هنا، وذكر ابن سعد بأسانيد الواقديِّ إلى جماعة مِنَ التَّابعين، قالوا: لمَّا قدم النَّبيُّ صلعم المدينة آخى بين المهاجرين، وآخى بين المهاجرين والأنصار على المواساة، وكانوا يتوارثون، وكانوا تسعين نفسًا بعضهم مِنَ المهاجرين، وبعضهم مِنَ الأنصار، وقيل: كانوا مئة، فلمَّا نزل: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ} بطلت المواريثُ بينهم بتلك المؤاخاة.
          قال الحافظ: قال السُّهيليُّ: آخى [صلعم] بين أصحابه ليُذْهِبَ عنهم وحشة الغُربة ويتأنَّسوا مِنْ مفارقة الأهل والعشيرة، ويشدَّ بعضهم أزر بعض، فلمَّا عزَّ الإسلامُ واجتمع الشَّمل وذهبت الوحشة أبطل المواريث، وجعل المؤمنين كلَّهم إخوةً، وأنزل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] يعني: في التَّوادد، وشمول الدَّعوة، واختلفوا في ابتدائها، فقيل: بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل: بتسعة، وقيل: وهو يبني المسجد، و[قيل] غير ذلك.
          وعند أبي سعيد في «شرف المصطفى»: كان الإخاء بينهم في المسجد، وأنكر ابن تيمية في «كتاب الرَّدِّ على ابن المطهر الرَّافضيِّ» المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصًا مؤاخاة النَّبيِّ صلعم لعليٍّ قال: لأنَّ المؤاخاة شُرعت لإرفاق بعضهم بعضًا، وليتألَّف(3) قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النَّبيِّ لأحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجريٍّ لمهاجريٍّ، وهذا ردٌّ للنَّصِّ بالقياس، وإغفال عن حكمة المؤاخاة... إلى آخر ما قال في «الفتح».


[1] في (المطبوع): ((آخى)).
[2] قوله: ((ذكر)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((ولتأليف)).