الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه

          ░47▒ (باب: إقامَةِ المُهَاجِر بمكَّة بَعْدَ قَضَاء نُسُكه)
          أي: مِنْ حجٍّ أو عمرة.
          قال الحافظ: قوله: (ثلاث للمهاجر بعد الصَّدَر)_بفتح المهملتين_ أي: بعد الرُّجوع مِنْ منًى، وفِقهُ هذا الحديث أنَّ الإقامة بمكَّة كانت حرامًا على مَنْ هاجر منها قبل الفتح، لكنْ أبيح لمن قصدها منهم بحجٍّ أو عمرة أن يقيم بعد قضاء نُسُكه ثلاثة أيَّام لا يزيد عليها، ولهذا رَثَى النَّبيُّ صلعم لسعد بن خولة أن مات بمكَّة، ويُستنبط مِنْ ذلك أنَّ إقامة ثلاثة أيَّام لا تُخرِج صاحبَها عن حكم المسافر، وفي كلام الدَّاوديِّ اختصاصُ ذلك بالمهاجرين الأوَّلين، ولا معنى لتقييده بالأوَّلين.
          قالَ النَّوويُّ: معنى هذا الحديث أنَّ الَّذِينَ هاجروا يحرم عليهم استيطان مكَّة، وحكى عِياض أنَّه قول الجمهور، قال: وأجازه لهم جماعة_يعني بعد الفتح_ فحملوا هذا القول على الزَّمن الَّذِي كانت الهجرة المذكورة واجبة فيه، قال: واتَّفق الجميع على أنَّ الهجرة قبل الفتح كانت واجبة [عليهم]، وأنَّ سكنى المدينة كان واجبًا لنصرة النَّبيِّ صلعم، ومواساته بالنَّفس، وأمَّا غير المهاجرين فيجوز له السُّكنى لأيِّ(1) بلد أراد سواء مكَّة وغيرها بالاتِّفاق. انتهى كلام القاضي.
          ويُستثنى مِنْ ذلك مَنْ أذن له النَّبيُّ صلعم بالإقامة في غير المدينة، وقالَ القُرْطُبيُّ: المراد بهذا الحديث: مَنْ هاجر مِنْ مكَّة إلى المدينة لنصر النَّبيِّ صلعم، ولا يعني به مَنْ هاجر مِنْ / غيرها لأنَّه خرج جوابًا عن سؤالهم لمَّا تحرَّجُوا مِنَ الإقامة بمكَّة إذ كانوا قد تركوها لله تعالى، فأجابهم بذلك، وأعلمهم أنَّ إقامة الثَّلاث ليس بإقامة، قال: والخلاف الَّذِي أشار إليه عياض كان فيمن مضى. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((سكنى أي)).