التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: رأيت الناس مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر

          3634- قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ شَيْبَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (هو عبد الرَّحْمَن بن عبد الملك بن مُحَمَّد بن شيبة) انتهى، وكذا بخطِّ شيخِنا شيخِ الإسلامِ البُلْقينيِّ: (وفي «الكلاباذيِّ»: أنَّه ابن عبد الملك ابن مُحَمَّد بن شيبة)، انتهى، وكذا رأيتُه أنا في «رجال البُخاريِّ» للكلاباذيِّ.
          (عبد الرَّحْمَن) هذا المنسوب المدنيُّ كنيتُه أبو بكرٍ، يروي عن هُشَيمٍ، والوليدِ بنِ مسلمٍ، وابنِ أبي فُدَيك، وطائفةٍ، وعنه: البُخاريُّ، وأبو زُرْعَةَ، والربيعُ بنُ سُليمانَ المراديُّ، وآخرون، قال أبو زُرْعة: (لَمْ يكن بين تحديثه وبين موته كبيرُ شيءٍ، اختلفتُ إليه عشرين ليلةً أنظر في كتبه)، وقال ابنُ حِبَّانَ في «الثقات»: (ربَّما خالف)، وقال أبو بكر بن أبي داود: (ضعيف)، انتهى، أخرج له البُخاريُّ والنَّسائيُّ، تُوُفِّيَ في حدود العشرين ومئتين، له ترجمةٌ في «الميزان».
          قوله: (رَأَيْتُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ): هذا كان في المنام، لا شكَّ في ذلك، والدليل على ذلك: ما في هذا «الصحيح» في (التعبير): «بينا أنا نائمٌ؛ رأيتُني على قَليب»، من غير طريقٍ [خ¦7021].
          قوله: (فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ): (الذَّنوب): الدلو العظيمة؛ وهي بفتح الذال المُعْجَمَة، وقيل: لا تُسمَّى ذَنوبًا إلَّا إذا كان فيها ماءٌ، وقوله: (أو ذَنوبين): شكٌّ من الراوي، ولهذا عقَّبه البُخاريُّ: (وَقَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: «فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبَيْنِ)، فلم يشكَّ، وسأذكر أين ذكر هذا التعليقَ البُخاريُّ قريبًا جدًّا.
          قوله: (وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ): يريد: ما ناله المسلمون في خلافته من أموال المشركين، وسيأتي له بقيَّة.
          قوله: (وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ): أي: قد غفر الله له، وقيل: ضَعْفُ نَزعه: اشتغالُه بقتال أهل الرِّدَّة، فلم يتفرَّغ لفتح الأمصار وجباية الأموال، ولقصر مدَّته؛ فإنَّها سنتان وثلاثةُ أشهرٍ وعشرون يومًا، وقيل في مدَّة خلافته غير ذلك.
          قوله: (فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا): أي: صارت وانتقلت دلوًا عظيمة، و(غَرْبًا): بفتح الغين المُعْجَمَة، وإسكان الراء، وبالموحَّدة.
          قوله: (عَبْقَرِيًّا): هو بفتح العين المُهْمَلَة، وإسكان المُوَحَّدة، ثُمَّ قاف مفتوحة، ثُمَّ راء مكسورة، ثُمَّ مُثَنَّاة تحت مُشَدَّدة، وهو النافذ الماضي الذي ليس فوقه شيء، قال أبو عَمرو: عبقريُّ القوم: سيِّدُهم وقَوِيُّهم وكبيرُهم، قَالَ الجَوْهَرِيُّ: (العبقر: موضعٌ تزعُم العرب أنَّه من أرض الجنِّ)، ثُمَّ أنشد بيتًا للَبِيد، ثُمَّ قال: (ثُمَّ نسبوا إليه كلَّ شيءٍ تعجَّبوا من حِذقه أو جَودة صنعته وقوَّته؛ فقالوا: عبقريٌّ، وهو واحدٌ وجمعٌ، والأنثى: / عبقريَّة...) إلى آخر كلامه، وقال شيخنا: (الحاذق في عمله، وقيل: سيِّد القوم ومقدَّمهم، وقيل: [أصل] هذا كلِّه أرضٌ تسكنها الجنُّ، فصارت مثلًا إلى كلِّ منسوبٍ إلى شيءٍ رفيعٍ، وقيل: هي قريةٌ تُعمَل فيها الثياب الحسنة، فنُسِب إليها كلُّ شيءٍ جيِّدٍ، وقيل: كلُّ شيءٍ بلغ النهاية في الخير والشرِّ، ذكره الخَطَّابيُّ)، انتهى.
          قوله: (يَفْرِي فَرِيَّهُ): (الفَرِيُّ): بفتح الفاء، وكسر الراء، وتشديد الياء المُثَنَّاة تحت، وبإسكان الراء أيضًا، قال ابن قرقول: (بكسر الراء وسكونها قرأناه على شيوخنا أبي الحسين وغيره، وأنكر الخليلُ التثقيلَ، وغلَّط قائله)، وكذا ذكر ابن الأثير: أنَّ (الفَرِيَّ) بكسر الراء وإسكانها، وتغليطَ الخليلِ المذكور، و(يَفْرِي): بفتح أوَّله، وكسر ثالثه؛ ومعناه: يعمل عمله، ويقوَى قوَّته، يُقال: فلان يفري الفَرِيَّ؛ أي: يعمل العملَ البالغ، ومثله: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا}[مريم:27]؛ أي: عظيمًا.
          قوله: (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ): (العَطَن): بفتح العين والطاء المُهْمَلَتين، وبالنون؛ أي: رَوَوا ورَوِيت إبلُهم حتَّى بركَتْ، وعَطَنُ الإبلِ: مباركُها، وأصل ذلك حول الماء [كي] تُعَاد إلى الشرب، وقد يكون العَطَن عند غير الماء، ووقع في رواية الجُلوديِّ في «مسلم»: «حتَّى ضرب الناسُ العَطَنَ»، وقد ضرب رسول الله صلعم ذلك مثلًا لاتِّساع الناس في زمن عُمرَ ☺ وما فُتِح عليهم من الأمصار.
          قوله: (وَقَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ...) إلى آخره: حديث همَّام أخرجه البُخاريُّ في (التعبير) عن إسحاقَ بنِ إبراهيمَ، عن عبدِ الرَّزَّاق بن همَّامٍ، عن مَعْمَرٍ، عن همَّامِ بنِ مُنَبِّه، عن أبي هريرةَ به [خ¦7022]، والله أعلم.