التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل

          3622- قوله: (بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى): أمَّا (بُرَيد)؛ فقد تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الراء، وتَقَدَّمَ أنَّ (أبا بُردة جدَّ بُرَيد): اسمه الحارث أو عامر، القاضي، ابنُ أبي موسى عبدِ الله بن قيسِ بن سُلَيم بن حَضَّار.
          قوله: (أُرَاهُ): هو بضَمِّ الهمزة؛ أي: أظنُّه.
          قوله: (فَذَهَبَ وَهْلِي): قال الدِّمْيَاطيُّ: (وهَل إلى الشيء يَهِلُ وهْلًا: ذَهَبَ وهَمُهُ إليه، ووهِلَ يَوْهَلُ وهَلًا: جَبُنَ، وأيضًا: قَلِق، وفي الشيء وعنه: نسيه)، انتهى، وكذا قاله غيره: (وهَل إلى الشيء _بالفتح_ يهِلُ _بالكسر_ وهْلًا _بالسكون_ إذا ذهب وهمُه إليه)، قال في «الصحاح»: (والوَهْلة: الفَزْعةُ، والوَهَل _بالتحريك_: الفَزَع، وقد وَهِلَ يَوْهَلُ، وهو وَهِلٌ ومُستَوْهِلٌ)، ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال ما لفظه: (أبو زيد: وَهِلَ يوْهَلُ في الشيء وعن الشيء وَهَلًا؛ إذا غلط فيه وسها، ووهَلْتُ إليه _بالفتح_ أَهِلُ وهْلًا؛ إذا ذهب وهَمُك(1) وأنت تريد غيرَه؛ مثل: وهَمْتُ)، وحَكى بعضهم فيه السكونَ والفتح، ثُمَّ نقل الفرق.
          قوله: (أَوِ الهَجَرُ): تَقَدَّمَ الكلام على (هجر)، وكلام صاحب «الصحاح» فيها، والنسبة إليها، وتَقَدَّمَ الكلام على هذه الرواية [خ¦3157]، قال الدِّمْيَاطيُّ: (يعني: هجر باليمن، وهي قاعدة البحرين، ويقال: الهجر، بينها وبين البحرين عشرُ مراحلَ).
          قوله: (وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا، وَاللهُ خَيْرٌ): جاء في بعض طرق هذا الحديث خارجَ الكتب: (ورأيت فيها بقرةً تُنحَر)، وسأعزو هذه الزيادةَ قريبًا، وبهذه الزيادةِ يتمُّ تأويلُ الرؤيا بما ذَكر، فنَحْرُ البقر هو قَتْلُ الصَّحَابة الذين قُتِلوا بأُحُد، وانظر دقَّة فهم البُخاريِّ؛ وذلك أنَّه أخرج هذا الحديث في (التعبير)، وبوَّب عليه: (بابٌ: إذا رأى بقرًا تُنحَر) [خ¦7035]، ولم يقع له (تُنحَر) في الحديث الذي أخرجه؛ لأنَّه أخرجه من حديث أبي موسى، وكأنَّها ليست فيه، أو لم تكن على شرطه، فجعلها في الترجمة، وفي «مسند أحمد»: حَدَّثَنَا عبد الصمد وعفَّان قالا: حَدَّثَنَا حَمَّاد: قال عفَّان في حديثه: أَخْبَرنَا أبو الزُّبَير عن جابر بن عبد الله: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «رأيت كأنِّي في دِرعٍ حصينةٍ، ورأيت بقرًا منحرةً، فأوَّلتُ: أنَّ الدرعَ الحصينةَ المدينةُ، وأنَّ البقرَ هو والله خيرٌ»، وقد ساقه شيخنا الحافظ نور الدين الهيثميُّ تلميذ شيخنا العِرَاقيِّ في «زوائد(2) المسند» في (التعبير)، وهذا لفظه، وذكره في (غزوة أحُد) بالسند، ولفظه: (ورأيت فيها بقرًا تُنحَرُ).
          قوله: (وَاللهُ خَيْرٌ(3)...) إلى آخره: هو برفع الاسم الجليل، و(خيرٌ): خبره، وصُوِّب، وعند بعضهم بالكسر على القسم، و(بَعْدُ يَوْمَ بَدْرٍ): بضَمِّ الدال، ونصب (يوم)، قال القاضي _كما نقله عنه النَّوويُّ_: (ضبطنا هذا الحرفَ عن جميع الرُّواة: «واللهُ خيرٌ»؛ على الابتداء والخبر، و«بعدُ يومَ بدرٍ»: بضَمِّ الدال، ونصب «يوم»، قال: ورُويَ بنصب الدال، قالوا: ومعناه: ما جاء الله به [بعدَ] يوم بدر الثانية من تثبيت المؤمنين؛ لأنَّ الناس جمعوا لهم وخوَّفوهم، فزادهم الله إيمانًا، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوءٌ، وتفرَّق العدوُّ عنهم؛ هيبةً لهم، قال القاضي: قال أكثر شرَّاح الحديث: معناه: ثواب الله خير؛ أي: صُنْعُ الله بالمقتولين خيرٌ لهم من بقائهم في الدنيا، قال القاضي: والأَولى قولُ مَن قال: «واللهُ خيرٌ» مِن جملة الرؤيا، وكلمةٌ أُلقِيَت إليه وسمعها في رؤياه عند رؤيا البقر؛ بدليل تأويله لها بقوله: «وإذا الخير ما جاء الله به»، والله أعلم).


[1] زيد في مصدره: (إليه)، وكانت في (أ)، ثمَّ ضُرِب عليها.
[2] في (ب): (رواية).
[3] في (ب): (لخير).