شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لم يصل الضحى ورآه واسعًا

          ░32▒ بابُ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى وَرَآهُ وَاسِعًا.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لأسَبِّحُهَا(1)). [خ¦1177]
          قال المؤلِّف: أمَّا حديث مورِّقٍ(2): قلت لابن عمرَ: تصلِّي الضُّحى؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنَّبيُّ صلعم(3)؟ قال: لا إخالُه، المذكور في الباب قبل هذا(4)، [خ¦1175] فهذا موضعه ليس ذلك الباب، وأخذ قومٌ من السَّلف به وبحديث عائشة ولم يروا صلاة الضُّحى، وقال(5) بعضهم: بأنَّها(6) بدعةٌ. روى(7) الشَّعبيُّ عن قيس بن عَبَّادٍ(8) قال: كنت أختلف إلى ابن مسعودٍ السَّنَة كلَّها، فما رأيته مصلِّيًا الضُّحى.
          وقال إبراهيم النَّخَعِيُّ: حدَّثني من رأى ابن مسعودٍ(9) صلَّى الفجر، ثمَّ لم يقم لصلاةٍ حتَّى أُذِّن لصلاة(10) الظُّهر، فقام فصلَّى أربعًا. روى(11) شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أنَّ(12) عبد الرَّحمن بن عوفٍ(13) كان لا يصلِّي الضُّحى. وعن مجاهدٍ قال: دخلت أنا وعروة بن الزُّبير المسجد فإذا ابن عمر جالسٌ عند باب(14) حجرة عائشة، وإذا النَّاس يصلُّون في المسجد صلاة الضُّحى، فسألناه / عن صلاتهم فقال: بدعةٌ، وقال مرَّةً: ونعمت(15) البدعة. وقال الشَّعبيُّ: سمعت ابن عمر يقول: ما ابتدع المسلمون بدعةً أفضل من صلاة الضُّحى، وسُئل(16) أنسٌ عن صلاة الضُّحى فقال: الصَّلوات خمسٌ. وقد قيل: إنَّ صلاته صلعم يوم الفتح ثمان ركعاتٍ لم تكن صلاة الضُّحى، وإنَّما كانت من أجل الفتح، وأنَّ سُنَّة الفتح أن يصلَّى عنده ثمان ركعاتٍ، ذكره الطَّبريُّ في «التَّاريخ» عن الشَّعبيِّ، قال: لمَّا فتح خالد بن الوليد الحِيرَة صلَّى صلاة الفتح ثماني(17) ركعاتٍ، ولم(18) يسلِّم فيهنَّ ثمَّ انصرف.
          قال المؤلِّف: هذا(19) تأويلٌ لا يدفع(20) صلاة الضُّحى لتواتر الرِّوايات بها عَنِ النَّبيِّ صلعم، وفعل السَّلف(21) بعده.
          قال الطَّبريُّ: وذهب قومٌ من السَّلف(22) أنَّ صلاة الضُّحى تُصلَّى في بعض الأيَّام دون بعضٍ، واحتجُّوا بما رواه(23) الجريريُّ عن عبد الله بن شقيقٍ(24) قلت لعائشة: أكانَ النَّبيُّ صلعم(25) يصلِّي الضُّحى؟ قالت: لا، إلَّا أن يجيء من مغيبه، وروى ابن قتيبة(26) عن فضيل بن مرزوقٍ عن عطية عن أبي سعيدٍ قال: ((كانَ رسولُ اللهِ صلعم يُصلِّي الضُّحى حتَّى نقولَ لا يدعُها، ويدعُها حتَّى نقولَ لا يصلِّيها)).
          ذكر(27) من كان يفعل ذلك من السَّلف: روى شعبة عن حبيب بن الشَّهيد(28)، عن عِكْرِمَة قال: كان ابن عبَّاسٍ يصلِّيها يومًا ويدعها عشرة أيَّامٍ، _يعني صلاة الضُّحى(29)_. وشعبة عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر أنَّه كان لا يصلِّي الضُّحى، فإذا أتى مسجد قباء صلَّى، وكان يأتيه كلَّ سبتٍ. وسفيان عن منصورٍ عن إبراهيم(30) قال: كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة، ويصلُّون ويدعون، _يعني صلاة الضُّحى_. وعن سعيد بن جبيرٍ قال: إنِّي لأدع صلاة الضُّحى وأنا أشتهيها مخافة أن أراها حتمًا عليَّ.
          قال الطَّبريُّ: وحديث عبد الله بن شقيقٍ عن عائشة وحديث أبي سعيدٍ لا يُضادَّ ما ثبت من الآثار عنه صلعم بصلاة الضُّحى لأنَّه يحتمل أن يكون كلُّ مخبرٍ إنَّما أخبر عنه صلعم بما شاهده وعاينه(31) من فعله صلعم. وليس في قول من نفى صلاة الضُّحى واحتجَّ بقول عائشة: ((ما رأيتُ رسولَ اللهِ صلعم يُسبِّحُ سُبحةَ الضُّحى قطُّ(32)))، حجَّةٌ لأنَّها أخبرت بما علمت فصدقت، وأخبر غيرها بما علم فصدق، وليس شيءٌ(33) من ذلك بمضادٍّ لما خالفه، لأنَّ قول القائل: لم يصلِّها النَّبيُّ صلعم غير مخبرٍ(34) عنه صلعم أنَّه قال: لم أصلِّها ولا أصلِّها(35)، فكيف وقد أخبر عن عائشة غير واحدٍ(36) ممَّن لا يُتَّهم أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يصلِّي الضُّحى. وذلك ما حدَّثنا به(37) محمَّد بن بشَّار قال: حدَّثنا معاذ بن هشامٍ: حدَّثني(38) أبي عن قَتادة عن معاذة عن عائشة أنَّها سألتها: أكان النَّبيُّ صلعم يصلِّي الضُّحى؟ قالت: نعم، ورواه شعبة عن يزيد الرِّشْكِ عن معاذة عن عائشة(39)، قالت: ((كانَ النَّبيُّ صلعم يصلِّي الضُّحى أربعًا ويزيدُ ما شاءَ اللهُ(40))).
          قال الطَّبريُّ: فلو لم يدلَّ على وهم الحديث(41) عن عائشة أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يسبِّح بسبحة(42) الضُّحى إلَّا هذه الأخبار المرويَّة(43) عنها أنَّه صلَّاها، فكيف وفي خبر عبد الله بن شقيقٍ عنها أنَّه كان يصلِّيها عند قدومه من مغيبه؟ قال غيره: وقد يمكن الجمع بين أحاديث عائشة وغيرها، فيحمل(44) قولها: ((ما رأيتُ رسولَ اللهِ صلعم يُسبِّحُ سبحةَ الضُّحى))، يعني مواظبًا عليها ومعلنًا بها(45)، لأنَّه يجوز أن يصلِّيها بحيث لا تراه، وقد رُوي عن عائشة أنَّها كانت تغلق على نفسها بابها ثمَّ تصلي الضُّحى.
          وقال مسروقٌ: كنَّا نقرأ في المسجد فنبقى بعد قيام ابن مسعودٍ، ثمَّ نقوم فنصلِّي الضُّحى، فبلغ ابن مسعودٍ ذلك، فقال: لمَ تحمِّلوا(46) عباد الله ما لم يحمِّلهم الله؟ إن كنتم لابدَّ فاعلين ففي بيوتكم. وكان أبو مِجْلَزٍ يصلِّي الضُّحى في منزله. وكان(47) مذهب السَّلف الاستتار بها وترك إظهارها للعامَّة، لئلَّا يرونها(48) واجبةً.
          وفي قولها: (وإنَّنِي(49) لأسَبِّحُهَا) دليلٌ أنَّها صلاةٌ مندوبٌ إليها مرغَّبٌ فيها، وقد رُوي عنها أنَّها قالت: لو نُشر لي أبواي من قبريهما(50) ما تركتها(51)، فالتزامها لها لا يكون إلَّا عن علمٍ عندها(52) من النَّبيِّ صلعم(53).


[1] في (ص): ((لأستحبها)).
[2] زاد في (ق): ((المتقدم في الباب قبل هذا)).
[3] قوله: ((قال: لا، قلت: فعمر...قلت: فالنَّبيُّ صلعم)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((المذكور في الباب قبل هذا)) ليس في (ق).
[5] في (ق): ((قال)).
[6] في (م) و(ق): ((أنها)).
[7] في (ق): ((روى)).
[8] في (ق): ((عبد)).
[9] قوله: ((السنَة كلها، فما.... ابن مسعود)) ليس في (ق).
[10] قوله: ((لصلاة)) ليس في (ق).
[11] في (م) و(ق) و(ي): ((وروى)).
[12] في (ص): ((عن)).
[13] زاد في (ص): ((أنَّه)).
[14] قوله: ((باب)) ليس في (م) و(ق).
[15] في (ص): ((ونعمة)).
[16] في (ص): ((وقد سئل)).
[17] في (ص): ((ثمان)).
[18] في (م) و(ق) و(ي) و(ص): ((لم)).
[19] في (م) و(ق): ((ثم انصرف وهذا)).
[20] في (ق): ((يرفع)).
[21] زاد في (م) و(ق): ((لها)).
[22] زاد في (ق): ((إلى)).
[23] في (م) و(ق): ((روى)).
[24] زاد في (م) و(ق): ((قال)).
[25] في (ق) و(ي): ((رسول الله صلعم))، في (ص): ((أكان رسول الله)).
[26] في (م): ((وروى سلم بن قتيبة)).
[27] في (ص): ((ذِكر)) بكسر الذال.
[28] في (ز) و(ي) و(ص): ((حسين الشهيد)) والمثبت من (م) و(ق).
[29] قوله: ((يعني صلاة الضحى)) ليس في (ص).
[30] قوله: ((عن إبراهيم)) ليس في (ق).
[31] قوله: ((وعاينه)) ليس في (ق).
[32] قوله: ((قط)) ليس في (م) و(ق).
[33] في (ق): ((شيئًا)).
[34] في (م) و(ق): ((خبر)).
[35] في (م) و(ص): ((أصليها)).
[36] في (ص): ((وقد أخبر غير واحدٍ عن عائشة)).
[37] قوله: ((به)) ليس في (م) و(ق).
[38] في (ق) و(ي): ((حدثنا)).
[39] قوله: ((أنها سألتها: أكان... عن عائشة)) ليس في (ق) و(ي).
[40] زاد في (م) و(ق): ((وروى الليث عن معاوية بن صالح عن كثير بن الحارث عن القاسم مولى عائشة عن عائشة قالت: كان حبي يحب ما أخرها يعني الضحى))، وفي (ق): ((...يحب أخرها...)).
[41] في (م) و(ق): ((على وهاء الخبر))، صورتها في (ز): ((على وهما الحديث))، في (ص): ((على وهم أن الحديث)).
[42] في (م): ((سبحة)).
[43] في (م): ((المدونة)).
[44] في (م) و(ق): ((فيحتمل)).
[45] في (م) و(ق): ((لها)).
[46] كذا في النسخ كلها: ((تحمِّلوا)) والجادة ((تحملون)).
[47] في (ق): ((فكان)).
[48] في (م) و(ق): ((يروها)).
[49] في (ي): ((وإني)).
[50] في (م): ((من قبرهما)).
[51] في (ق): ((ما تركتهما)).
[52] قوله: ((عندها)) ليس في (م) و(ق).
[53] إلى هنا انتهت نسخة (ق) وكتب في آخرها: ((تم السفر الثاني والحمد لله مستحق الحمد وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه وسلم ووافق الفراغ من نسخة في رابع عشر صفر سنة ست وسبعين وسبعمئة يتلوه باب صلاة الضحى في الحضر في الجزء الثالث إن شاء الله تعالى)).