شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قيام النبي بالليل في رمضان وغيره

          ░16▒ بابُ: قِيَامِ النَّبيِّ صلعم بِاللَّيْلِ(1) في رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم(2) يَزِيدُ في رَمَضَانَ وَلا في(3) غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يصلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي(4) أَرْبَعًا، فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ(5)، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ(6) إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلا يَنَامُ قَلْبِي). [خ¦1147]
          وفيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (مَا رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يَقْرَأُ في شَيْءٍ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا، حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا، فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ، ثُمَّ رَكَعَ). [خ¦1148]
          وقد(7) تقدَّم اختلاف الآثار في عدد صلاته صلعم باللَّيل في باب كيف كانت صلاة النَّبيِّ صلعم باللَّيل، وكم كان(8) يصلِّي باللَّيل، [خ¦1137] فأغنى عن إعادته.
          وقد اختلف السَّلف في عدد(9) الصَّلاة في رمضان، فذكر ابن أبي شيبة قال: حدَّثنا يزيد بن هارون(10): حدَّثنا إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مِقْسَم عن ابن عبَّاسٍ ((أنَّ النَّبيَّ صلعم(11) كانَ يُصلِّي في رمضانَ عشرينَ ركعةً والوِترَ))، ورُوي مثله عن عُمَر بن الخطَّاب وعليِّ بن أبي طالبٍ وأبيِّ بن كعبٍ، وبه قال الكوفيُّون والشَّافعيُّ(12)، إلَّا أنَّ إبراهيم هذا هو جَدُّ بني(13) شيبة، وهو ضعيفٌ فلا حجَّة في حديثه، والمعروف القيام بعشرين ركعةً في رمضان عن عُمر وعليٍّ(14).
          وقال عطاء: أدركت النَّاس يصلُّون ثلاثًا وعشرين ركعةً، الوتر منها ثلاثًا(15). وروى ابن مهديٍّ عن داود بن قيسٍ قال: أدركت النَّاس بالمدينة في زمان(16) عُمَر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلُّون ستًّا وثلاثين ركعةً، ويوترون بثلاثٍ، وهو قول مالكٍ وأهل المدينة(17). وأمَّا قول عائشة: (يُصَلِّي أَربَعًا فلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهنَّ وطُولِهنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلاثًا)، فقد تقدَّم في أبواب الوتر [خ¦994] أنَّ ذلك مرتَّب على قوله صلعم: ((صلاةُ اللَّيل مَثنى مَثنى)) لأنَّه مفسِّر وقاضٍ على المجمل، وقد جاء بيان هذا في بعض طرق هذا(18) الحديث، روى ابن أبي ذئبٍ(19) عن ابن شهابٍ عن عروة عن عائشة قالت: ((كانَ رسولُ اللهِ صلعم يُصلِّي باللَّيلِ إحدى عشرةَ ركعةً بالوِترِ، يُسلِّمُ بينَ كلِّ ركعتينِ)).
          وقيل في قولها: (يُصَلِّي أربعًا ثُمَّ أربعًا) أنَّه كان(20) ينام بعد الأربع ثمَّ يصلِّي ثمَّ ينام بعد الأربع ثمَّ يصلِّي ثمَّ ينام(21)، ثمَّ يقوم فيوتر بثلاثٍ، فاحتجَّ(22) من قال ذلك بحديث اللَّيث عن ابن أبي مُليكة عن يعلى(23) عن أمِّ سَلمة أنَّها وصفت صلاة رسول الله صلعم باللَّيل وقراءته فقالت: ((كانَ يُصلِّي ثمَّ ينامُ قدرَ ما صلَّى، ثمَّ يصلِّي قدرَ ما نامَ(24)، ثمَّ ينامُ قدرَ ما صلَّى، ثمَّ يقومُ فيوتِرُ(25))).
          وقال أبو الحسن بن القابِسيِّ: أمَّا(26) قول عائشة للنَّبيِّ صلعم: (أَتَنَامُ(27) قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ)، فإنَّها توهَّمت أنَّ الوتر بإثر العشاء لا يكون(28) غيره على ما رأت من أبيها لأنَّه كان يوتر بإثر العشاء، فلمَّا أتت(29) النَّبيَّ صلعم ورأته يؤخِّر وتره إلى الوقت المرغَّب فيه رأت خلاف ما علمت(30) من فعل أبيها، فسألته ◙ عن ذلك فأخبرها أنَّ عينيه تنامان ولا ينام قلبه وليس ذلك لأبيها، وهذه من أعلى مراتب الأنبياء ‰ ولذلك قال ابن عبَّاسٍ: رؤيا الأنبياء وحْيٌ. لأنَّهم يفارقون سائر البشر في نوم القلب ويساوونهم في نوم العين.
          روى(31) أيُّوب عن عِكْرِمَة عن ابن عبَّاسٍ ((أنَّ النَّبيَّ صلعم نامَ حتَّى سُمعَ غَطيطُهُ، ثمَّ صلَّى ولم يتوضَّأ)) قال عِكْرِمَة: كان رسول الله صلعم محفوظًا.
          فإن قيل: فإنَّ(32) رسول الله صلعم كان يتوضَّأ من النَّوم. قيل له: كان يتوضَّأ(33) لكلِّ صلاةٍ، ولا / يبعد أن يتوضَّأ إذا خامر قلبه النَّوم واستولى عليه، وذلك في النَّادر كنومه في سفرِه عن صلاة الصُّبح، لِيَسُنَّ(34) لأمَّته أنَّ الصَّلاة لا يسقطها خروج الوقت وإن كان مغلوبًا بنومٍ أو نسيانٍ.
          وفي حديث عائشة الثَّاني قيامه ◙ باللَّيل(35). قال المُهَلَّب: ومعنى قيامه ◙ باللَّيل(36) عند الرُّكوع _والله أعلم_ لئلَّا يخلي نفسه من فضل القيام في آخر الرَّكعة، وليكون(37) انحطاطه إلى الرُّكوع والسُّجود من القيام، إذ هو أبلغ(38) وأشدُّ في التَّذلُّل والخضوع(39) لله ╡.


[1] قوله: ((بالليل)) ليس في (ق).
[2] في (م) و(ق): ((النبي صلعم)).
[3] قوله: ((في)) ليس في (ق) و(م).
[4] قوله: ((يصلي)) ليس في (ق).
[5] قوله: ((ثُمَّ يصلي أَرْبَعًا، فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنّ)) ليس في (م) و (ق)، وبدله قوله: ((ثم أربعًا كذلك)).
[6] قوله: ((يا عائشة)) ليس في (م) و(ق).
[7] في (م) و(ق): ((قد)).
[8] في (ص): ((كم كان صلاته بالليل وقد كان))، وضرب على قوله: ((كم كان)).
[9] قوله: ((عدد)) ليس في (م) و(ق).
[10] زاد في (ص): ((قال)).
[11] في (م) و(ق): ((رسول الله صلعم)).
[12] زاد في (م) و(ق): ((وأحمد)).
[13] زاد في (م): ((أبي)).
[14] في (م): ((حديثه، وقد ثبت عن عمر وعليٍّ القيام في رمضان بعشرين ركعة))،و قوله: ((إلا أنَّ إبراهيم هذا... عن عُمر وعلي)) ليس في (ق).
[15] في (م) و(ق): ((ركعة بالوتر)) قوله: ((منها ثلاثًا)) ليس في (م) و(ق).
[16] في (ص): ((زمن)).
[17] قوله: ((وأهل المدينة)) ليس في (م) و(ق).
[18] قوله: ((هذا)) ليس في (م) و(ق).
[19] في (ص): ((ذؤيب)).
[20] قوله: ((كان)) ليس في (ص).
[21] قوله: ((بعد الأربع ثم يصلي ثم ينام)) ليس في (م) و(ق) و(ص).
[22] في (م) و(ق) و (ي): ((واحتج))، غير واضحة في (ص).
[23] زاد في (ق): ((بن مالك)).
[24] في (م): ((ينام))، و في (ق): ((قام)).
[25] قوله: ((أنَّها وصفت صلاة رسول الله صلعم...ثمَّ يقومُ فيوتِرُ)) جاء في (ص) في هامش الورقة غير واضح.
[26] في (م) و(ق): ((وأما)).
[27] في (ص): ((تنام)).
[28] في (م) و(ق): ((لا يجوز)).
[29] زاد في (م) و(ق) و(ي) و(ص): ((إلى)).
[30] في (ق): ((عهدت)).
[31] في (م) و(ق): ((وروى)).
[32] في (م) و(ق): ((إن)).
[33] قوله: ((من النوم. قيل له: كان يتوضأ)) ليس في (ق).
[34] في (م): ((ليبين)).
[35] زاد في (م): ((وقد تقدم))، و قوله: ((وفي حديث عائشة الثاني قيامه ◙ بالليل)) ليس في (ق)، وفيها بدله: ((وقد تقدم الكلام في معنى حديث عائشة الثاني في أبواب صلاة الجالس)).
[36] قوله: ((بالليل)) ليس في (م).
[37] في (ق): ((وليكن)).
[38] زاد في (ق): ((في الخصوص)).
[39] قوله: ((والخضوع)) ليس في (ق).