شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب طول القيام في صلاة الليل

          ░9▒ بابُ: طُولِ الْقِيَامِ في صَلاةِ اللَّيْلِ.
          فيه: عَبْدُ الله قَالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ صلعم فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ، قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ(1)؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبيَّ صلعم). [خ¦1135]
          وفيه حُذَيْفَةُ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ). [خ¦1136]
          قال المُهَلَّب: فيه أنَّ مخالفة الإمام أمر(2) سوءٍ كما قال ابن مسعود، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} الآيةَ[النور:63]، وكذلك قال ◙ للذين صلُّوا خلفه قيامًا وهو جالسٌ: ((إنَّما جُعلَ الإمامُ ليؤتَمَّ بِهِ))، إلى قوله: ((وإذا(3) صلَّى جالسًا فصلَّوا جلوسًا أجمعونَ))، فينبغي أن يكون ما خالف الإمام من أمر الصَّلاة وغيرها من سيِّئ الأعمال.
          وفي حديث ابن مسعود(4) دليلٌ على طول القيام في صلاة(5) اللَّيل لأنَّ ابن مسعودٍ أخبر أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يزل قائمًا حتَّى همَّ بالقعود، وهذا لا يكون إلَّا لطول(6) القيام لأنَّ ابن مسعودٍ كان جلدًا مقتديًا بالنَّبيِّ صلعم محافظًا على ذلك.
          وقد اختلف العلماء: هل الأفضل في صلاة التَّطوع طول القيام، أو كثرة الرُّكوع والسُّجود، فذهبت طائفةٌ إلى أنَّ كثرة الرُّكوع والسُّجود فيها أفضل، ورُوي عن أبي ذرٍّ: أنَّه كان لا يطيل القيام ويكثر الرُّكوع والسُّجود، فسُئل عن ذلك فقال: سمعت رسول الله صلعم يقول: ((مَنْ ركَعَ ركعةً وسجَدَ سجدَةً رفعَهُ اللهُ بها درجةً، وحطَّ(7) عنهُ بِها خطيئَةً)).
          ورُوي عن ابن عمر أنَّه رأى فتًى يصلِّي قد أطال صلاته، فلمَّا انصرف قال: من يعرف هذا؟ قال(8) رجلٌ: أنا(9)، قال(10) عبد الله: لو كنت أعرفه لأمرته أن يطيل الرُّكوع والسُّجود؛ فإنِّي سمعت رسول الله صلعم يقول: ((إِذا قامَ /
          العبدُ يُصَلِّي أُتيَ بذنوبِهِ فجُعلَتْ على رَأسِهِ وعاتقَيهِ(11)، وكلَّما(12) ركَعَ و(13) سجَدَ تَساقطَتْ عنهُ)).
          وقال يحيى بن رافع: كان يقال: لا تطل القراءة في الصَّلاة فيعرض لك الشَّيطان فيمنِّيك.
          وقال آخرون: طول القيام أفضل، واحتجُّوا بما(14) روى وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابرٍ قال: سئل رسول الله: أي الصَّلاة أفضل؟ قال: ((طُولُ القُنوتِ)).
          وهو قول إبراهيم وأبي مِجلَزٍ(15) والحسن البصريِّ. وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمَّدٌ، قال(16) أشهب: هو أحبُّ إليَّ لكثرة القراءة، على سعة ذلك كلِّه.
          قال الطَّحاويُّ: وليس في حديث أبي ذرٍّ ما يخالف هذا الحديث لأنَّه(17) قد يجوز أن يكون قوله ◙(18): ((مَنْ ركعَ للهِ ركعَةً وسجَدَ سجدَةً رفعَهُ اللهُ بها درجَةً(19) وحَطَّ عنه خطيئَةً)).
          وإن زاد مع ذلك طول القيام كان أفضل، وكان ما يعطيهم(20) الله من الثَّواب أكثر، فهذا(21) أَوْلى ما حُمل عليه معنى الحديث لئلَّا يضادَّ(22) الأحاديث(23) الأُخر، وكذلك(24) حديث ابن عمر ليس فيه تفضيل الرُّكوع والسُّجود على طول القيام، وإنَّما فيه ما يُعطاه المصلِّي على الرُّكوع والسُّجود من حطِّ الذُّنوب عنه، ولعلَّه يُعطى بطول القيام أفضل من ذلك، وحديث ابن مسعود يشهد بصحَّة هذا القول.
          قال(25) المؤلِّف(26): وأمَّا حديث حذيفة فلا مدخل له في هذا الباب؛ لأنَّ شَوصَ الفم بالسِّواك في صلاة اللَّيل لا يدلُّ على طول الصَّلاة ولا قصرها(27)، كما لا يدلُّ عليه(28) قوله صلعم: ((لَولا أنْ أشُقَّ على أُمَّتي لأمرتُهمْ بالسِّواكِ عند كل صلاة)) أنَّه أراد(29) طوال(30) الصَّلوات دون القصار(31)، وهذا الحديث يمكن أن يكون من غلط النَّاسخ فكتب(32) في غير موضعه، وإن لم يكن كذلك فإنَّ البخاريَّ ☼ أعجلته المنيَّة عن تهذيب كتابه وتصفُّحه(33)، وله فيه مواضع(34) مثل(35) هذا تدلُّ(36) على أنَّه مات قبل تحرير الكتاب، والله أعلم(37).
          وفيه: أنَّ السِّواك من الرَّغائب وهو من الفطرة، وقال ابن دريد(38): الشَّوص: الاستياك من سفلٍ إلى علوٍّ وبه سمِّي هذا الدَّاء شَوْصَة(39) لأنَّه(40) ريح يرفع القلب عن موضعه.
          وقال أبو حنيفة في كتاب «النَّبات»: شاص فاه بالسِّواك شوصًا، وماصه(41) موصًا(42).


[1] قوله: ((به)) ليس في (م) و(ق).
[2] في (ص): ((بأمر)).
[3] في (ق) و(ص): ((فإذا)).
[4] في (م) و(ق): ((وفي حديث عبد الله)).
[5] في (ص): ((طول القيام وصلاة)).
[6] في (ق): ((بطول)).
[7] في (ز) و(ي) و(ص): ((وحطَّت)) والمثبت من (م) و(ق).
[8] في (م) و(ق): ((فقال)).
[9] في (م): ((أنا أنا)).
[10] في (ق): ((فقال)).
[11] في (م): ((وعاتقه)).
[12] في (ق): ((فكلما)).
[13] في (م) و(ق): ((أو)).
[14] في (م) و(ق): ((ومن حجتهم حديث ابن مسعود وما)).
[15] في (ق): ((أبي مجلز وإبراهيم)).
[16] في (م) و(ق): ((وقال)).
[17] في (ص): ((لكنه)).
[18] زاد في (م) و(ق): ((من ركع لله ركعة وسجد سجدة)) على ما قد أطيل قبله القيام ويجوز أن يكون.
[19] قوله: ((درجة)) ليس في (ص).
[20] في (م) و(ق): ((يعطيه)).
[21] في (ص): ((هذا)).
[22] في (ص): ((تضاد)).
[23] قوله: ((الأحاديث)) ليس في (م).
[24] في (ص): ((فكذلك)).
[25] في (ي) و(ص): ((وقال)).
[26] قوله ((وحديث ابن مسعود يشهد بصحة هذا القول. قال المؤلف)) ليس في (م) و(ق).
[27] في (ق): ((ولا يضرها)).
[28] قوله: ((عليه)) ليس في (م) و(ق).
[29] زاد (م) و(ق): ((بذلك)).
[30] في (ز) و(ي): ((طوال)) والمثبت من (م) و(ق) و(ص).
[31] زاد في(م): ((بل أراد بذلك جميع الصلوات والله أعلم)). و زاد في (ق): ((بل أراد بذلك جميع الصلوات)).
[32] في (م) و(ق): ((فكتبه)).
[33] في (م) و(ق): ((وتنقيحه)).
[34] في (ق): ((موضع))، وزاد في (م): ((أُخر)).
[35] زاد في (م) و(ق): ((هذا في أبواب صلاة الضحى و)).
[36] في (ق) و(ص): ((يدل)).
[37] زاد في (ق): ((وقد تقدم تفسير يشوص فاه في آخر كتاب الوضوء في باب السواك فأغنى عن إعادته)).
[38] في (ز) و(ق) و(ص): ((أبو زيد))، وفي (ي): ((ابن زيد)) والمثبت من (م).
[39] في (ي) و(م): ((الشوصة)).
[40] في (م): ((لأنها)).
[41] زاد في (م) و(ي) و(ص): ((به)).
[42] في (ص): ((وباصه به بوصًا)). قوله: ((وفيه: أن السواك من الرغائب.... وماصه موصًا)) ليس في (ق).