شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه

          ░19▒ بابُ: مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ.
          فيه: عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو: قَالَ لي رَسُولُ اللهِ صلعم(1): (أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ باللَّيْلِ وَتَصُومُ النَّهَارِ(2)؟، قُلْتُ: إِنِّي(3) أَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ(4) نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا، وَلأهْلِكَ حَقًّا، / فصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ(5) وَنَمْ). [خ¦1153]
          قال(6) المُهَلَّب: فيه أنَّ من دخل في طاعة الله ╡(7) وقطعها فإنَّه مذمومٌ، وقد عاب الله تعالى قومًا بذلك فقال: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا اِبْتِغَاءَ رِضوانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِها}الآية(8)[الحديد:27]فاستحقُّوا الذَّمَّ حين لم يفوا الله ╡(9) بما تطوَّعوا به(10)، ولا رعَوه حقَّ رعايته، فصار رجوعًا منهم عنه(11)، فلذلك لا ينبغي أن يدخل في شيءٍ من العبادة ويرجع عنها، بل ينبغي أن يرتقي المرء كلَّ يومٍ(12) في درج الخير، ويرغب إلى الله ╡(13) أن يجعل خاتمة عمله خيرًا من أوَّله(14)، ولذلك كان النَّبيُّ صلعم لا يحبُّ من العمل إلَّا ما دام عليه صاحبه وإن قَلَّ. فإن كان قطع العمل بمرضٍ أو شغلٍ وضعفٍ(15) عنه فلا لوم عليه، بل يُرجى له من الله تعالى ألَّا يقطع أجره(16)، فقد جاء عن النَّبيِّ صلعم أنَّ المريض يُكتب له أجر ما كان يصنعه(17) في صحَّته، وفي كتاب الله تعالى ما يشهد لذلك، قوله تعالى(18): {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}[التين:5]، يعني بالهرم والضَّعف {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ(19) أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}[التين:6]، أي: غير مقطوعٍ وإن ضعفوا عن العمل يُكتب لهم أجر عملهم في الشَّباب والصِّحَّة(20).
          وقوله: (إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْك حَقًّا) يريد ما جعل الله للإنسان من الرَّاحة المباحة واللَّذَّة في غير محرَّمٍ، فإنَّ في ذلك قوَّةً على طاعة الله ونشاطًا إليها، وكذلك للأهل حقٌّ(21) على الزَّوج أن يوفِّيهم حقوق الزَّوجية، وأن ينظر لهم(22) فيما لابدَّ لهم(23) من أمور(24) الدُّنيا والآخرة.
          وقوله (هَجَمَتْ عَينُك(25)): غارت. عن أبي عَمْرو(26) الشَّيبانيِّ. وقال الأصمعيُّ(27): هجمت ونفهت(28): أعيت، ويُقال للمُعْيي: نافه ومُنفَّه(29).


[1] في (م) و(ق): ((قال لي النبي صلعم يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فتركه، وقال عبد الله بن عمرو قال لي النبي صلعم)).
[2] في (م) و(ق): ((تقوم الليل وتصوم النهار)). في (ص): ((بالنهار)).
[3] في (م): ((أنا)).
[4] في (ق): ((وتفهت)). في (ص) لعلَّها: ((ونقهت)).
[5] في (ق): ((وصلِّ)).
[6] في (م): ((قال)) لعله ضرب عليها.
[7] في (م): ((من دخل لله تعالى في طاعة)).
[8] قوله(({إِلَّا اِبْتِغَاءَ رِضوانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِها}الآية)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((الله ╡)) ليس في (ص).
[10] في (ي): ((لما تطوعوا به))
[11] في (م) و (ق): ((فيه)).
[12] في (ق): ((للمرء أن يرتقي أبدًا)).وفي (ي): ((المرء في كل يوم))
[13] في (ق): ((إلى ربه ╡)).
[14] في (ق): ((أن يجعل خير عمله خاتمة عمره)).
[15] في (م) و (ق): ((أو ضعُف)).
[16] زاد في (ق): ((وقد تقدم هذا المعنى في ترك القيام للمريض ويأتي في كتاب الجهاد في باب يكتب للمسافر ما كان يعمله في الإقامة إن شاء الله)).
[17] في (ص): ((يعمله)).
[18] في (م): ((لذلك وهو قوله ╡)).
[19] في (ص): ((لهم)).
[20] قوله: ((فقد جاء عن النبي صلعم أن المريض يُكتب.... الشباب والصحة)) ليس في (ق).
[21] في (ص): ((حقًّا)).
[22] في (م): ((إليهم)).
[23] زاد في (ق) و (ي): ((منه)).
[24] في (م) و (ق): ((أمر)).
[25] زاد في (م) و (ق): ((يعني)).
[26] في (م): ((عمر)).
[27] زاد في (م) و (ق): ((وكذلك)).
[28] في (ي): ((نقهت))، في (ص) غير منقوطة بالكامل.
[29] في (ي): ((ناقه ومنقه))، في (ص): ((نافه ومنقه)).