شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قيام النبي حتى ترم قدماه

          ░6▒ بابُ قِيَام اللَّيْل.
          قَالَتْ(1) عَائِشَةُ: (قام النَّبيُّ صلعم حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ). وَالْفُطُورُ(2): الشُّقُوقُ(3)، انْفَطَرَتْ: انْشَقَّتْ.
          فيه: الْمُغِيرَةُ(4): (إِنْ كَانَ النَّبيُّ صلعم لَيَقُومُ أو لِيُصَلِّيَ(5) حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا). [خ¦1130]
          قال المُهَلَّب: فيه أخذ الإنسان على نفسه(6) بالشِّدَّة في العبادة وإن أضرَّ ذلك ببدنه، وذلك له حلالٌ، وله أن يأخذ بالرُّخصة ويكلِّف نفسه ما عفت(7) له به وسمحت، إلَّا أنَّ الأخذ بالشِّدَّة أفضل، ألا ترى قوله ◙: (أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)، فكيف(8) من لم يعلم أنَّه استحقَّ النَّار أم لا؟ فمن وفِّق للأخذ(9) بالشِّدَّة فله(10) في النَّبيِّ صلعم أفضل الأسوة.
          وإنَّما ألزم الأنبياء والصَّالحون أنفسهم شدَّةَ الخوف، وإن كانوا قد أمنوا، لعلمهم بعظيم نعم الله تعالى عليهم، وأنَّه ابتدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم في شكره تعالى بأكبر ممَّا افترض عليهم(11) فاستقلوا ذلك.
          ولهذا المعنى قال طَلْق بن حبيبٍ: إنَّ حقوق الله أعظم من أن يقوم بها(12) العباد، ونعمه أكثر من أن تحصى، ولكن أصبحوا تائبين(13) وأمسوا تائبين. وهذا كلُّه / مفهوم من قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر:28](14)+++.


[1] في (ي) و (م): ((وقالت)).
[2] في (ق) و(ص): ((الفطور)).
[3] في (ص): ((الشقاق)).
[4] زاد في (ق) و(م): ((قال)).
[5] في (ي) و(ص): ((يصلي)).
[6] قوله: ((على نفسه)) ليس في (ق).
[7] في (ق): ((عقب))، في (ص) غير منقوطة.
[8] في (ي): ((فبكيف)).
[9] في (ق) و(م): ((فكيف من لم يعلم هل غفر له ونجا من النار أم لا فهذا ينبغي له الأخذ)).
[10] في (ق) و(م): ((وله)).
[11] قوله: ((وأنَّه ابتدأهم بها قبل...ممَّا افترض عليهم)) ليس في (ص).
[12] في (ي): ((لها)).
[13] في المطبوع و(ص): ((قانتين)).
[14] زاد في (ق) و(م): ((وسيأتي اختلاف العلماء في حد الشكر في كتاب الرقاق في باب الصبر على [في (م): ((عن)).] محارم الله إن شاء الله)).