شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل من تعار من الليل فصلى

          ░21▒ بابُ: فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى.
          فيه: عُبَادَةُ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ(1)، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاتُهُ). [خ¦1154]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قال(2) رَسُولَ اللهِ صلعم: (إِنَّ أَخًا لَكُمْ لا يَقُولُ الرَّفَثَ)، يَعْنِي عَبْدَ اللهِ ابْنَ رَوَاحَةَ: [خ¦1155]
وَفِينَا رَسُولُ اللهِ يَتْلُو كِتَابَهُ                      إِذَا انْشَقَّ مَعْروفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانا(3) الهُدَى بَعْدَ العَمَى فَقُلوبُنا(4)                      بِهِ موقِناتٌ أنَّ ما قالَ واقِعُ(5)
يَبِيتُ يُجافي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذا                      اسْتَثْقَلَتْ بِالمُشرِكينَ(6) المضاجِعُ
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ قَالَ(7): (رَأَيْتُ كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ اِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي(8) لا أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الْجَنَّةِ إِلا طَارَتْ إِلَيْهِ، وكَأَنَّ اثْنَيْنِ(9) أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إلى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ(10) فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ، خَلِّيَا عَنْهُ) وذكر الحديث. [خ¦1156] [خ¦1157] [خ¦1158]
          قال المؤلِّف(11): حديث عُبَاْدَة شريفٌ عظيم القدر، وفيه ما وعد الله تعالى عباده على التَّيقُّظ من نومهم لهجةً ألسنتهم(12) بشهادة التَّوحيد له(13) والرُّبوبيَّة والإذعان له بالملك، والاعتراف له بالحمد على جزيل نعمه الَّتي لا تُحصى، رطبةً أفواههم بالإقرار له بالقدرة الَّتي لا تتناهي(14)، مطمئنةً قلوبهم بحمده وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق بالإلهيَّة من صفات النَّقص، والتَّسليم له بالعجز عن القدرة عن(15) نيل شيءٍ إلَّا به ╡. فإنَّه وعد بإجابة دعاء من بهذا دعاه، وقبول صلاة مَن بعد ذلك صلَّى، وهو تعالى لا يُخلف الميعاد(16)، وهو الكريم الوهَّاب فينبغي لكلِّ مؤمنٍ بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيَّته لربِّه العظيم أن يرزقه حظًّا من قيام اللَّيل، فلا(17) عون إلَّا به ╡، ويسأله فِكاك رقبته من النَّار، وأن يوفِّقه لعمل الأبرار، ويتوفَّاه على الإسلام. قد(18) سأل ذلك الأنبياء الَّذين هم خيرة الله وصفوه(19) من خلقه، فمن(20) رزقه الله تعالى حظًّا من قيام اللَّيل فليكثر شكره على ذلك، ويسأله أن يديم له ما رزقه(21)، وأن يختم له بفوز العاقبة وجميل الخاتمة.
          وقوله صلعم: (إنَّ أَخًا لَكُم لا يَقُولُ الرَّفَث) وذكر قول ابن رواحة يدلُّ أنَّ حسن الشِّعر محمود كحسن الكلام، وتبيَّن(22) أنَّ قوله صلعم: ((لأَنْ يَمتَلِئَ جَوفُ أحدِكُم قَيحًا حَتَّى يَرِيَهُ(23) خيرٌ لهُ مِنْ أنْ يَمتَلِئَ شِعْرًا)) أنَّه لا يُراد به كلُّ الشِّعر، وإنَّما المراد(24) به الشِّعر الَّذي فيه الباطل والهجر من القول، لأنَّه صلعم(25) قد نفى عن ابن رواحة بقوله هذه الأبيات قول الرَّفث، وإذا لم تكن من الرَّفث فهي في حَيِّزِ الحقِّ، والحقُّ مرغَّبٌ(26) فيه، مأجورٌ عليه صاحبه.
          وفي حديث ابن عمر / أنَّ قيام اللَّيل يُنجي من النَّار، وقد تقدَّم القول فيه(27) في باب فضل قيام اللَّيل [خ¦1121]، و(28) قال صاحب «العين»: التَّعارُّ: السَّهر والتَّقلُّب على الفراش ليلًا مع كلامٍ، أخذ(29) من عِرَار الظيلم(30) وهو صوته(31).


[1] زاد في (ص): ((العلي العظيم)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (ق).
[3] في (ق): ((أتانا)).
[4] في (ق): ((فقاربنا)).
[5] قوله: ((أَرَانا الهُدَى بَعْدَ...أنَّ ما قالَ واقِعُ)) ليس في (ص).
[6] في (ق): ((بالكافرين)).
[7] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ق).
[8] في (م) و(ق): ((وكأني)).
[9] في (ص): ((اثنان)).
[10] في (ق): ((مالك آخر)).
[11] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م) و(ق).
[12] في (ق): ((أنفسهم)).
[13] قوله: ((له)) ليس في (م).
[14] في (ص): ((لا تتناها)).
[15] في (ق): ((على)).
[16] في (م) و(ص): ((وعده)).
[17] في (م): ((ولا)).
[18] في (ق): ((فقد)).
[19] في (م) و(ق): ((وصفوته)).
[20] في (م) و(ق): ((ومن)).
[21] زاد في (م) و(ق): ((منه)).
[22] في (ق): ((ويبين))، في (ص) الحرف الأول غير منقوط.
[23] قوله:((حتى يريه)) ليس في (ق).
[24] في (م) و(ق): ((يراد)).
[25] قوله: ((صلعم)) ليس في (ق).
[26] في (ص): ((مرغوب)).
[27] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).
[28] زاد في (ق): ((قوله من تعار)).
[29] في المطبوع و(ص): ((أخذه)).في (ق): ((أحد)).
[30] في (ز) و(ي): ((الظليم)) والمثبت من (م) و(ق). في (ص): ((الطير)).
[31] زاد في (م) و(ق): ((يقال: عرَّ الظليم يعرُّ عرارًا صوَّت)).