شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من جاهد نفسه في طاعة الله

          ░37▒ بَابُ: مَنْ جَاهَدَ(1) نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ╡.
          فيهِ: مُعَاذٌ، قَالَ: (بَيْنَا(2) أَنَا رَدِيْفُ النَّبيِّ صلعم لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثمَّ قَالَ(3): يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ). [خ¦6500]
          قال المؤلِّفُ: جهاد المرء نفسَه هو الجهاد الأكبر، وحرب(4) العدوُّ الأضرُّ قال الله تعالى(5): {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى. فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى} [النَّازعات:40-41]ورُوِيَ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قالَ لأصحابِهِ، وقد انصرفوا مِن الجهادِ: ((أَتَيْتُمْ مِنَ الجِهَادِ الأَصْغَرِ إِلَى الجِهَادِ الأَكْبَرِ. قَالُوا: وَمَا الجِهَادُ الأَكْبَرُ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ)).
          وقال سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: ليس عدوُّك الَّذي إن قتلتَه كان لك به أجرٌ، إنَّما عدوُّك نفسك الَّتي بين جنبيك، فقاتل هواك أشدَّ ممَّا تقاتل عدوَّك.
          وقال أُوَيْسُ القَرَنِيُّ لهَرِمِ بنِ حَيَّانَ: ادعُ اللهَ أنْ يُصْلِحَ قلبك ونيَّتك(6) فإنَّك لن تُعالج شيئًا هو أشدُّ عليك منهما، بينما قلبك مقبلٌ إذ هو مدبرٌ، فاغتنم إقبالَه قبل إدبارِه، والسَّلام عليك. وقال عَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ ☺: أوَّل ما تفقدون مِن دينكم جهاد أنفسكم. وقد يكون جهاد النَّفس منعُها الشَّهوات المباحة توفيرًا لها في الآخرة لئلَّا تدخل في معنى قولِه تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا(7)}[الأحقاف:20]الآية، وعلى هذا جرى سلف الأمَّة، وقال سَالِمٌ الخَوَّاصُ: أوحى الله إلى دَاوُدَ صلعم: لا تقرب الشَّهوات فإنِّي خلقتُها لضعفاء خلقي، فإن أنت قَرُبْتَها أهون ما أصنع بك أسلبك حلاوة مناجاتي، يا دَاوُدُ، قل لبني إِسْرَائِيْلَ لا تقربوا الشَّهوات فالقلب المحجوب بالشَّهوات حجبت صوتُه عنِّي. /
          قد تقدَّم معنى قولِه: (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ) في بابِ مَنْ أجابَ بلبيكَ وسعديكَ في كتابِ الاستئذانِ [خ¦6267] وسيأتي بزيادةٍ في بيانِه في بابِ قولِهِ تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ}[هود:7]في كتابِ الاعتصامِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى(8) [خ¦7423].


[1] زاد في (ت) و(ص): ((عن)).
[2] في (ت): ((بينما)).
[3] في (ت) و (ص): ((فقال)).
[4] في (ت): ((الجهاد الأجل وضرب)) وفي (ص): ((الجهاد وضرب)).
[5] في (ت) و(ص): ((قال تعالى)).
[6] قوله: ((ونيَّتك)) ليس في (ت) و(ص).
[7] قوله: (({وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا})) ليس في (ت) و(ص).
[8] قوله: ((وقد تقدم معنى قوله...إن شاء الله تعالى)) ليس في (ص).