شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: المكثرون هم المقلون

          ░13▒ بَابُ: المُكْثِرُوْنَ هُمُ المُقِلُّوْنَ /
          وَقَوْلُهُ ╡: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيْهَا} إِلَى قَولِهِ(1): {يَعْمَلُوْنَ}[هود:15].
          فيِه: أَبُو ذَرٍّ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلا مَنْ أَعْطَاهُ اللهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فِيهِ(2) يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ، وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا(3)) وذكر الحديث بطولِه. [خ¦6443]
          قال المؤلِّفُ: هذا الحديث(4) يدلُّ على أنَّ كثرة المال تؤول بصاحبِه إلى الإقلال مِن الحسنات يوم القيامة إذا لم ينفقْه في طاعة الله ╡، فإن أنفقَه في طاعة الله كان غنيًّا مِن الحسنات يوم القيامة، وقد احتجَّ بهذا الحديث مَن فضَّل الغنى على الفقر لأنَّه استثنى فيه مِن المكثرين مَنْ نَفَحَ بالمال عن يمينِه وشمالِه وبين يديه، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، وسنذكر مذاهبَهم فيها في بابِ فضل الفقر بعد هذا إن شاء الله تعالى [خ¦6449].
          وقولُه: (نَفَحَ فِيْهِ) قال صاحب «الأفعال»: نفح بالعطاء أعطى، والله نفَّاحٌ بالخيرات، وقال(5) صاحب «العين»: نَفَحَ بالمال والسَّيف، ونَفَحَاتُ المعروف: دفعُه، ونَفَحَتِ الدَّابَّة رَمَحَت(6) بحافرِها الأرض.
          وقولُه تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيْدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ(7)}[هود:15]الآيتين، قال أهل التَّأويل: هذا عامٌّ في اللَّفظ خاصٌّ في الكفَّار، بدليل قولِه تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا(8) وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُوْنَ}[هود:16]، وإنَّما ذكرَها البخاريُّ في هذا الباب تحذيرًا للمؤمنين مِن مشابهة أفعال الكافرين في بيعِهم الآخرة الباقية بزينة الدُّنيا الفانية، فيدخلوا في معنى قولِه تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا(9)}[الأحقاف:20].


[1] قوله: ((قوله)) ليس في (ت) و(ص).
[2] في (ت) و(ص): ((به)).
[3] قوله: ((خيرًا)) ليس في (ت) و(ص).
[4] قوله: ((هذا الحديث)) ليس في (ص).
[5] في (ت) و (ص): ((قال)).
[6] في (ز): ((رمت)) والمثبت من (ت) و (ص).
[7] قوله: ((نوف إليهم أعمالهم)) ليس في (ت) و(ص).
[8] قوله: ((فيها)) ليس في (ص).
[9] قوله: (({وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا})) ليس في (ت) و(ص)، وفيهما: ((الآية)).