شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الغنى غنى النفس

          ░15▒ بَابُ: الغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَقَوْلُهُ ╡: {أَيَحْسِبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِيْنَ} إلى {عَامِلُوْنَ}[المؤمنون:55-63]. قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَعْمَلُوْهَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوْهَا.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَإِنَّمَا الغِنَى غِنَى النَّفْسِ). [خ¦6446]
          قال المؤلِّفُ: قولُه صلعم: (لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ) يُرِيدُ ليس حقيقة الغنى عن كثرة متاع الدُّنيا، لأنَّ كثيرًا ممَّن وسَّع الله عليه في المال يكون فقير النَّفس لا يقنع بما أُعطي فهو(1) يجتهد دائبًا في الزِّيادة، ولا يُبالي مِن أين تأتيه(2)، فكأنَّه فقيرٌ مِن المال لشدَّة شَرَهِهِ وحرصِه على الجمع، وإنَّما حقيقة الغنى غنى النَّفس، الَّذي استغنى صاحبه بالقليل وقنع به، ولم يحرص على الزِّيادة فيه، ولا ألحَّ في الطَّلب، فكأنَّه غنيٌ واجدٌ أبدًا.
          وغنى النَّفس هو(3) باب الرِّضا بقضاء الله تعالى والتَّسليم لأمرِه علمًا(4) أنَّ ما عند الله خيرٌ للأبرار، وفي قضائِه لأوليائِه الخيار، روى الحَسَنُ عن أبي هريرةَ قَالَ: قَالَ لِي(5) رَسُولُ اللهِ صلعم: ((اِرْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ)).
          وقولُه تعالى: {أَيَحْسِبُوْنَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِيْنَ}[المؤمنون:55]نزلت في الكفَّار، فليست بمُعارضةٍ لدعائِه ◙ لأَنَسٍ بكثرة المال والولد، وقال أهل التَّأويل في معناها: {أَيَحْسَبُوْنَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِيْنَ} مجازاةً لهم وخيرًا لهم بل هو استدراجٌ لهم، ولذلك قال تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا}[المؤمنون:63]أي في غطاءٍ عن المعرفة أنَّ الَّذي نمدُّهم به مِن مالٍ استدراجٌ لهم، وقال بعض أهل التَّأويل في تأويل قولِه تعالى: {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ(6)}[المؤمنون:55] / هي الخيرات: فالمعنى نُسارع(7) فيه، ثمَّ أظهر فقال: {فِي الخَيْرَاتِ}[المؤمنون:56]أي نُسارع لهم به في الخيرات.


[1] في (ت) و(ص): ((فهذا)).
[2] في (ت) و(ص): ((يأتيه)).
[3] زاد في (ت) و(ص): ((من)).
[4] في (ت) و(ص): ((علم)).
[5] قوله: ((لي)) ليس في (ت).
[6] زاد في (ت): ((من مال)).
[7] في (ت) و(ص): ((لنسارع)).