شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: العزلة راحة من خلاط السوء

          ░34▒ بَابُ: العُزْلَةِ رَاحَةٌ مِنْ خُلَطَاءِ السُّوْءِ.
          فيهِ: أَبُو سَعِيدٍ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ). [خ¦6494]
          وفيهِ: أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ المُسْلِمِ الغَنَمُ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ). [خ¦6495]
          فيه: أنَّ اعتزال النَّاس عند ظُهُور الفتن والهرب عنهم أسلم للدِّين مِن مخالطتِهم، ذَكَرَ عَلِيُّ بنُ مَعْبَدٍ عن الحَسَنِ بنِ وَاقِدٍ قالَ: قالَ النَّبيُّ صلعم: ((إِذَا كَانَتْ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ وَمَائَةٍ فَقَدْ أَحْلَلْتُ لِأُمَّتِي العُزْبَةَ والعُزْلَةَ والتَّرَهُّبَ فِي رُؤُوْسِ الجِبَالِ)).
          وذكر عَلِيُّ بنُ مَعْبَدٍ عن عبدِ اللهِ بنِ المباركِ عن مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ عن الحَسَنِ يرفعُه إلى رَسُوْلِ اللهِ صلعم قَالَ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَسْلَمُ لِذِي دِيْنٍ دِينُهُ، إِلَّا مَنْ فَرَّ بِدِينِهِ مِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، وَجُحْرٍ إِلَى جُحْرٍ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ(1) لَمْ تُنَلِ المَعِيْشَةُ إِلَّا بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ(2) حَلَّتِ العُزْلَةُ، قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، كَيْفَ تَحِلُّ العُزْلَةُ وَأَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالتَّزْوِيْجِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ(3) كَانَ هَلَاكُ الرَّجُلِ عَلَى يَدِي أَبَوَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى يَدِي زَوْجَتِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى يَدِي وَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ كَانَ هَلَاكُهُ عَلَى يَدِي القَرَابَاتِ وَالجِيْرَانِ، قَالُوا: وَكَيْفَ(4) ذَلِكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: يُعَيِّرُوْنَهُ بِضِيْقِ المَعِيْشَةِ وَيُكَلِّفُوْنَهُ مَا لَا يُطِيْقُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُوْرِدُ نَفْسَهُ المَوُارِدَ الَّتِي يَهْلِكُ فِيْهَا)).
          وقال صاحب «العين»: شَعَفُ الجِبِالِ رؤوسُها، وكذلك شَعَفُ الأثافي، وشَعْفَةُ كلُّ شيءٍ أعلاه. ومَوَاقِعُ القَطْرِ بُطُون الأودية، والشِّعْبُ ما انفرج بين جبلين، عن صاحب «العين».


[1] في (ص): ((كذلك)).
[2] قوله: ((ذلك)) ليس في (ت)، وفي (ص): ((كذلك)).
[3] في (ص): ((كذلك)).
[4] في (ت) و(ص): ((كيف)).