شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى {يا أيها الناس إن وعد الله حق}

          ░8▒ بَابُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُوْرُ. إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوًّا(1)} الآية[فاطر:5-6]. قَالَ مُجَاهِدٌ: {الغَرُوْرُ}: الشَّيْطَانُ.
          فيهِ: عُثْمَانُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوْئِي هذا، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (لَا تَغْتَرُّوا). [خ¦6433]
          قال المؤلِّفُ: نهى الله تعالى عبادَه عن الاغترار بالحياة / الدُّنيا وزخرفِها الفاني، وعن الاغترار بالشَّيطان، وبيَّن لنا ╡ عداوتَه لنا لئلَّا نلتفت إلى تسويلِه وتزيينِه لنا الشَّهوات المُرْدِيَة، وحذَّرنا تعالى طاعتَه وخبَّر(2) أنَّ أتباعَه وحزبَه مِن أصحاب السَّعير والسَّعير النَّار، فحقٌّ على المؤمن العاقل أن يحذر ما حذَّره منه ربُّه ╡ ونبيُّه صلعم وأن يكون مشفقًا خائفًا وَجِلًا، إن واقع ذنبًا أسرع النَّدم عليه والتَّوبة منه وعزم ألَّا يعود لمثلِه(3)، وإذا أتى حسنةً استقلَّها واستصغر عملَه ولم يَدِلَّ بها، ألا ترى قول عُثْمَانَ ☺: ((مَنْ أَتَى المَسْجِدَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنَ ثُمَّ جَلَسَ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) وهذا لا يكون إلَّا مِن قول النَّبيِّ صلعم ثمَّ أتبع ذلك بقول النَّبيِّ صلعم: (لَا تَغْتَرُّوا) ففهم عُثْمَانُ ☺ مِن ذلك أنَّ المؤمن ينبغي له ألَّا يتَّكل على عملِه، ويستشعر الحذر والإشفاق ويتجنَّب(4) الاغترار، وقد قال غير مجاهدٍ في تفسير {الغَرُوْرُ} قال: هو أن يغترَّ بالله تعالى فيعملَ المعصية ويتمنَّى المغفرة.


[1] قوله: (({وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ باللهِ الغَرُوْرُ* إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوًّا})) ليس في (ت) و(ص).
[2] في (ت) و(ص): ((وأخبر)).
[3] في (ص): ((إليه)).
[4] في (ت) و(ص): ((بتجنُّب)).