شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها

          ░33▒ بَابُ: الأعْمَالِ بِالخَوَاتِيمِ وَمَا يُخَافُ مِنْهَا.
          فيهِ: سَهْلٌ: (نَظَرَ النَّبيُّ صلعم إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ المُشْرِكِينَ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ(1) غَنَاءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلْيَنْظُرْ إلى هَذَا، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيْمِ). [خ¦6493]
          قال المؤلِّفُ: في تغييب الله عن عبادِه خواتيم(2) أعمالهم حكمةٌ بالغةٌ وتدبيرٌ لطيفٌ، وذلك أنَّه لو علم أحدٌ خاتمة عملِه لدخل الإعجاب والكسل مَن علم أنَّه يُختم له بالإيمان، ومَن علم أنَّه يُختم له بالكفر يزداد غيًّا وطغيانًا(3) وكفرًا، فاستأثر الله تعالى بعلم(4) ذلك ليكون العباد بين خوفٍ ورجاءٍ، فلا يعجب المُطيع لله بعملِه ولا ييأس العاصي مِن رحمتِه، ليقع الكلُّ تحت الذُّلِّ والخُضُوع لله تعالى والافتقار إليه جلَّ وعزَّ، وقال حَفْصُ بنُ حُمَيْدٍ: قلت لابنِ المباركِ: رأيت رجلًا قَتَلَ رجلًا، فوقع في نفسي أنِّي أفضل منه، فقال عبدُ اللهِ: أمنُك على نفسك أشدُّ مِن ذنبِه.
          قال الطَّبَرِيُّ: ومعنى قولِه: إنَّ أَمْنَه على نفسِه أنَّه مِن النَّاجين عند الله مِن عقابِه أشدُّ مِن ذنب القاتل لأنَّه لا يدري إلى ما يؤول إليه أمرُه وعلى ما يموت، ولا يعلم أيضًا حال القاتل إلى ما يصير إليه، لعلَّه يتوب فيموت تائبًا فيصير إلى عفو الله، وتصير أنت إلى عذابه لِتَغَيُّرِ حالك مِن الإيمان بالله إلى الشِّرك به، فالمؤمن في حال إيمانِه وإن كان عالمًا بأنَّه محسنٌ فيه غير عالمٍ على ما هو ميِّتٌ عليه، وإلى ما هو صائرٌ إليه، فغير جائزٍ أن يقضي لنفسِه، وإن كان محسنًا بالحسنى عند الله، ولغيرِه وإن كان مسيئًا بالسُّوء، وعلى ذلك(5) مضى خيار السَّلف.


[1] في (ت): ((المسلمين)) وهي رواية.
[2] في (ص): ((خواتم)).
[3] قوله: ((وطغيانًا)) ليس في (ت) و(ص).
[4] قوله: ((بعلم)) ليس في (ص).
[5] في (ت) و(ص): ((هذا)).