شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «ما أحب أن لي مثل أحد ذهبًا»

          ░14▒ بَابُ: قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لي أُحُدًا ذَهَبًا).
          فيهِ: أَبُو ذَرٍّ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا شَيْءٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلَّا أَنْ أَقُولَ بِهِ في عِبَادِ اللهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، عَنْ يَمِيْنِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ...) الحديث بطولِه، وروى أَبُو هُرَيْرَةَ مثلَه مختصرًا. [خ¦6444]
          قال المؤلِّفُ: في هذا الحديث أنَّ المؤمن لا ينبغي له أن يتمنَّى كثرة المال إلَّا بشريطة أن يُسَلِّطَهُ الله تعالى على إنفاقِه في طاعتِه اقتداءً بالنَّبيِّ صلعم في ذلك.
          وفيه: أنَّ المبادرة إلى الطَّاعة أفضل مِن التَّواني فيها، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يحبَّ أن يبقى عنده مِن مقدار جبل أُحُدٍ ذهبًا لو كان له بعد ثلاثٍ شيءٌ(1) إلَّا دينارٌ يرصدُه لدَيْنٍ.
          وفيه: أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يكون عليه الدَّين لكثرة مواساتِه بقوتِه وقوت عيالِه، وإيثارِه على نفسِه أهل الحاجة، والرِّضا بالتَّقلُّل والصَّبر على خشونة العيش، وهذه سيرة الأنبياء والصَّالحين، وهذا كلُّه يدلُّ على أنَّ فضل المال في إنفاقِه في سبيل البرِّ(2) لا في إمساكِه وادِّخارِه.


[1] قوله: ((شيءٌ)) ليس في المطبوع، وفي (ت) و(ص): ((يُبقي عنده...شيئًا)).
[2] في (ص): ((في سبيل الله)).