شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: حجبت النار بالشهوات

          ░28▒ بَابُ: حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ). [خ¦6487]
          وفيهِ: ابنُ مَسْعُوْدٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ). [خ¦6488]
          وفيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَها الشَّاعِرُ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ). / [خ¦6489]
          قال المؤلِّفُ: قولُه ◙: (حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ وَالجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ) مِن جوامع الكلم وبديع البلاغة في ذمِّ الشَّهوات والنَّهي عنها، والحضِّ على طاعة الله وإن كرهتْها النُّفُوس وشقَّ عليها لأنَّه إذا لم يكن يوم القيامة غير الجنَّة والنَّار لم يكن بدٌّ مِن المصير إلى إحداهما(1) فواجبٌ على المؤمنين السَّعي فيما يُدخِل(2) الجنَّة ويُبعد(3) مِن النَّار، وإن شقَّ ذلك عليهم لأنَّ الصَّبر على النَّار أشقُّ، فخرج هذا الخطاب منه صلعم بلفظ الخبر وهو مِن باب النَّهي والأمر.
          وقولُه صلعم: (الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكَ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ) فدليلٌ واضحٌ أنَّ الطَّاعات الموصلة إلى الجنَّة والمعاصي المقرِّبة مِن النَّار قد تكون في أيسر الأشياء، ألا ترى قولَه ◙: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا(4) يُلْقِي لَهَا بَالًا يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ)) فينبغي للمؤمن ألَّا يزهدَ في قليلٍ مِن الخير يأتيه، ولا يستقلَّ قليلًا مِن الشَّرِّ يجتنبه فيحسبُه هيِّنًا وهو عند الله عظيمٌ، فإنَّ المؤمن لا يعلم الحسنة الَّتي رحمه(5) الله بها، ولا يعلم السَّيِّئة الَّتي يسخط الله عليه بها، وقد قال الحَسَنُ البَصْرِيُّ: مَنْ تُقُبِّلَتْ مِنْهُ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ دَخَلَ الجَنَّةَ.
          وقولُه صلعم: (أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ)
          فالمراد به الخُصُوص لأنَّ كلَّ ما قرَّب مِن الله تعالى فليس بباطلٍ، وإنَّما أراد أنَّ كلَّ شيءٍ ما خلا الله باطلٌ(6) مِن أمور الدُّنيا الَّتي لا تؤول إلى طاعة الله، ولا تُقَرِّبُ منه تعالى فهي باطلٌ.


[1] في (ت) و(ص): ((أحدهما)).
[2] زاد في (ص): ((إلى)).
[3] في (ت) و(ص): ((وينقذ)).
[4] في (ت) و(ص): ((لا)) في الموضعين.
[5] في (ت) و(ص): ((يرحمه)).
[6] قوله: ((ما خلا الله باطل)) ليس في (ت) و(ص).