شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يتقى من محقرات الذنوب

          ░32▒ بَابُ: مَا يُتَّقَى مِنْ مُحَقرَاتِ الذُّنُوْبِ.
          فيهِ: أَنَسٌ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُوْنَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا(1) عَلَى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صلعم مِنَ المُوبِقَاتِ. قَالَ أَبُو عَبْد اللهِ: يعني المُهْلِكَاتِ. [خ¦6492]
          قال المؤلِّفُ: إنَّما كانوا يعدُّون الصَّغائر مِن الموبقات لشدَّة خشيتِهم لله ╡ وإن لم تكن لهم كبائرٌ، ألا ترى أنَّ إبراهيمَ ◙ إذا سُئِلَ الشَّفاعة يوم القيامة يذكر ذنبَه، وأنَّه كذب ثلاث كذباتٍ، وهي قولُه في زوجتِه: هذه أختي. وهي أختُه في الدِّين، وقولُه: {إنِّي سَقِيْمٌ}[الصَّافات:89]أي: سأسقم، وقولُه: {فَعَلَهُ كَبِيْرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء:63]يعني الصَّنم، فرأى ذلك ◙ مِن الذُّنوب، وإن كان لقولِه وجهٌ صحيحٌ، فلم يقنع مِن نفسِه إلَّا بظاهرٍ يُطابق الباطن، وهذا غاية الخوف.
          والمحقَّرات إذا كثرت صارت كبائر بالإصرار عليها والتَّمادي فيها، وقد روى ابنُ وَهْبٍ عن عَمْرِو بنِ الحَارِثِ عن يَزِيْدَ بنِ أبي حَبِيْبٍ عن أَسْلَمَ أبي عِمْرَانَ أنَّه سمع أبا أَيُّوْبٍ يقول: إِنَّ الرَّجُلَ ليعملُ الحسنةَ فيثقُ بها ويغشى المحقَّرات، فيلقى الله يوم القيامة وقد أحاطت به خطيئتُه، وإنَّ الرَّجُلَ ليعملُ السَّيِّئَةِ، فما يزالُ منها مشفقًا حذرًا حتَّى يلقى الله يوم القيامة آمنًا.
          وذكر أَسَدُ بنُ مُوسَى عن ابنِ مَسْعُوْدٍ قال: ((إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهَا تَجْتَمِعُ حَتَّى تُهْلِكَ صَاحِبَهَا)) وإنَّ رَسُوْلَ اللهِ صلعم قدْ ضربَ لنا مثلًا: ((كَمَثَلِ رَكْبٍ نَزَلُوا بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا حَطَبًا، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم(2) فَجَاءَ بِعُودٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ أَعْوَادٌ، فَأَوْقَدُوا نَارًا أَنْضَجَت مَا جُعِلَ فِيهَا)) ورواه سَهْلُ بنُ سَعْدٍ عن النَّبيِّ صلعم.
          وقال أبو عبدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ: مثل الَّذي يجتنب الكبائر ويقع في المحقَّرات كرجلٍ لقاه سبعٌ فاتَّقاه حتَّى نجا منه، ثمَّ لقيه فَحْلُ إِبِلٍ فاتَّقاه فنجا منه، فلدغتْه نملةٌ فأوجعتَه، ثمَّ أخرى، ثمَّ أخرى، حتَّى اجتمعن عليه فصَرَعْنَه، وكذلك الَّذي يجتنب الكبائر ويقع في المحقَّرات. وقال أبو بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ ☺: إِنَّ اللهَ يغفرُ الكبيرَ فَلَا تَيْأسُوا، ويُعَذِّب عَلَى الصَّغِيرِ(3) فَلَا تَغْتَرُّوا. /


[1] في (ص): ((لنعهدها)).
[2] في (ز): ((منهما)) والمثبت من (ت) و (ص).
[3] في (ت) و(ص): ((الكبائر...الصَّغائر)).