شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الانتهاء عن المعاصي

          ░26▒ بَابُ: الانْتِهَاءِ عَنِ المَعَاصِي.
          فيهِ: أَبُو مُوسَى، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا، فَقَالَ: رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَأَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ قَوْمٌ، فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتهُ طَائِفَةٌ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ). [خ¦6482]
          وفيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النُّبيُّ صلعم: (مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الفَرَاشُ، وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيْهَا(1)، وَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ، فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تقْتَحِمُوْنَ(2) فِيْهَا). [خ¦6483]
          وفيهِ: عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ). [خ¦6484]
          قال المؤلِّفُ: هذه أمثال ضربَها النَّبيُّ صلعم لأمَّتِه لينبِّهَهم بها على استشعار الحذر، خوف التَّورُّط في محارم الله والوُقُوع في معاصيه، ومثَّل ذلك لهم(3) بما عاينوه وشاهدوه مِن أمور الدُّنيا ليقرب ذلك مِن أفهامِهم، ويكون أبلغ في موعظتِهم، فمثَّل صلعم اتِّباع الشَّهوات المؤديَّة إلى النَّار بوقوع الفَرَاش في النَّار لأنَّ الفَرَاش(4) مِن شأنِه اتِّباع(5) ضوء النَّار حتَّى يقع فيها، فكذلك متبَّع شهوتِه يؤول به ذلك إلى عذاب النَّار(6)، وشبَّه جهل راكب الشَّهوات بجهل الفَرَاشِ لأنَّها لا تظنُّ أنَّ النَّار تحرقُها حتَّى تقتحمَ فيها.
          و(النَّذِيْرُ العُرْيَانُ) رجلٌ مِن خَثْعَمَ حمل عليه رجلٌ يوم ذِي الخَلَصَة(7) فقطع يدَه ويد امرأتِه، فرجع إلى قومِه، فضرب ◙ المثل لأمَّتِه لأنَّه تجرَّد لإنذارِهم لما يصير إليه مَن اتَّبعَه مِن كرامة الله وبما يصير إليه مَن عصاه مِن نقمتِه وعذابِه تَجَرُّدَ مَن رأى مِن الحقيقة ما رأى النَّذير العُريان الَّذي قُطِعَت يدُه ويدُ امرأتِه / حتَّى ضُرِبَ به المثل في تحقيق الخبر.
          وقولُه: (المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ) يعني المهاجر التَّامُّ الهجرة مَن هجر المحارم، كما قال ◙ أنَّ جِهَادَ النَّفْسِ أكبرُ مِنْ جِهادِ العدوِّ.


[1] قوله: ((فيها)) ليس في (ص).
[2] في (ت) و(ص): ((وهم يقتحمون)).
[3] في (ت) و(ص): ((لهم ذلك)).
[4] قوله: ((في النار لأن الفراش)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((اتِّباع)) ليس في (ت) و(ص).
[6] في (ص): ((إلى العذاب)).
[7] في (ت) و(ص): ((يوم ذي الخلصة رجل)).