شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «هذا المال خضرة حلوة »

          ░11▒ بَابُ: قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) وَقَولِ اللهِ تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} الآية[آل عِمْرَان:14]. وقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا لا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَ(1) لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ في حَقِّهِ.
          فيهِ: حَكِيْمٌ: (سَأَلْتُ النَّبيَّ صلعم فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا حَكِيْمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيْبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيْهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ، وَاليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى). [خ¦6441]
          قال المؤلِّفُ: هذا الباب في معنى الَّذي قبلَه يدلُّ على أنَّ فتنة المال والغنى مَخُوفَةٌ على مَن فتحَه الله عليه لتزيين الله تعالى له، ولشهوات الدُّنيا في نفوس عبادِه؛ فلا سبيل لهم إلى بغضتِه إلَّا بعون الله على ذلك، ولهذا قال عُمَرُ ☺: (اللَّهُمَّ إنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَ لَنَا) ثمَّ دعا الله تعالى أن يعينَه على إنفاقِه في حقِّه، فمَن أخذ المال مِن حقِّه ووضعَه في حقِّه فقد سلم مِن فتنتِه، وحصل على ثوابِه، وهذا معنى قولِه صلعم: (فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيْبِ نَفْسٍ بُوْرِكَ لَهُ فِيْهِ)، وفي قولِه أيضًا: (وَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيْبِ نَفْسٍ(2)) تنبيهٌ لأمَّتِه على الرِّضا بما قسم لهم، وفي قولِه: (وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيْهِ، وَكَانَ كالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) ذمُّ الحرص والشَّرَه إلى الاستكثار، ألا ترى أنَّه شبَّه فاعل ذلك بالبهائم الَّتي تأكل ولا تشبع وهذا غاية الذَّمِّ له لأنَّ الله تعالى وصف الكفَّار بأنَّهم يأكلون كما تأكل الأنعام، يعني أنَّهم لا يشبعون كما لا تشبع الأنعام لأنَّ الأنعام لا تأكل لإقامة أرماقِها وإنَّما تأكل للشَّرَه والنَّهم. فينبغي للمؤمن العاقل الفهم عن الله ╡ وعن رسولِه صلعم أن يتشبَّه بالسَّلف الصَّالح في أخذ الدُّنيا ولا يتشبَّه بالبهائم الَّتي لا تعقل، وقد فسَّرنا قولَه: (خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) في كتاب الزَّكاة [خ¦1472].


[1] في (ت): ((زينته)).
[2] قوله: ((بورك له فيه... أخذه بطيب نفسٍ)) ليس في (ت) و(ص).