شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا رأى أنه أخرج الشيء من كورة فأسكنه موضعًا آخر

          ░41▒ بابٌ إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُوْرَةٍ فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعًا آخَرَ.
          فيه: ابنُ عُمَر قال: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (رَأَيْتُ(1) كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، وَهِي الْجُحْفَةُ، فَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ يُنْقَلُ إِلَيْهَا). [خ¦7038]
          وترجم له: بابُ المَرْأَةِ السَّودَاءِ، و: بابُ المَرْأَةِ الثَّائِرَةِ الرَّأْسِ.
          قال المهلَّب: هذه الرُّؤيا ليست على وجهِها، وهي ممَّا ضرب بها المثل فبعض المعبِّرين يجعل وجه التَّمثيل في ذلك أن يشتقَّ مِن اسمِها السُّوء والدَّاء لأنَّ اسمَها يجمع ذلك فتأوَّل النَّبيُّ صلعم خروجَها مشخَّصة ما جمع اسمُها، وقد اختلف في معنى إسكانِها الجُحْفة، فقيل: لعدوان أهلِها وأذاهم للنَّاس، وقيل: لأنَّ الجُحْفة قليلة البشر، فكأنَّه رأى أن يعافى منها الكثير مع بليَّة القليل.
          وأمَّا ثوران رأسِها فتأوَّل منه أنَّها لما كانت الحمَّى مثيرة للبدن بالاقشعرار وارتفاع الشَّعر عبَّر عن حالها في النوم بارتفاع شعر رأسِها، فكأنَّه قيل له: الدَّاء الَّذي يسوء ويثير الشَّعر يخرج مِن المدينة، وقيل: إن معنى الاقشعرار: الاستيحاش، فكذلك هذا الداء تستوحش(2) النُّفوس منه، وقال علي بن أبي طالب العابر: أيُّ شيء دلَّت عليه السَّوداء في أكثر وجوهِها فهو مكروه، فربَّما دلَّت على الدُّنيا الحرام والزوجة الحرَّام، فمَن وطئها في المنام دخل فيما لا يليق به، فإمَّا طعامًا حرامًا يأكلُه أو شرابًا يشربُه أو ثوبًا على ذلك النَّعت يلبسُه أو دارًا مغصوبة يسكن فيها.
          قال صاحب «العين»: الكُور: الرَّحل والجمع أكوار وكيران.


[1] قوله: ((رأيت)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((هذا الَّذي استوحش)).