شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا طار الشيء في المنام

          ░37▒ بابٌ إِذَا طَارَ الشَّيْءُ فِي المَنَامِ.
          فيه: ابنُ عبَّاسٍ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (بَيْنَما أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ في يَدَيَّ إسِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَطَعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ)، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِي الَّذي قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ. [خ¦7033] [خ¦7034]
          قال المهلَّب: هذه الرُّؤيا ليست على وجهِها، وإنَّما هي على ضرب المثل، وإنَّما أوَّلَهما النَّبيُّ صلعم بالكذَّابين لأنَّ الكذب إنَّما هو الإخبار عن الشَّيء بخلاف ما هو به ووضعُه في غير موضعِه، فلمَّا رآهما في ذراعيه وليسا موضعًا للسِّوارين لأنَّهما ليسا مِن حلية الرِّجال علم أنَّه سيقضي على يدي النَّبي صلعم _يعني على أوامرِه ونواهيه_ مَن يدَّعي ما ليس له، كما وُضعا حيث ليس لهما، وكونهما مِن ذهب، والذَّهب منهي عنه في الدِّين دليل على الكذب من وجوه:
          أحدُها: وضع الشَّيء غير موضعه، والثَّاني: كون الذهب مستعملًا في الرِّجال وهو منهيٌّ عنه، والذَّهب مشتقٌّ(1) / منه الذَّهاب، فعلم أنَّه شيء يذهب عنه ولا يبقى، ثم وكَّد له الأمر فأذن له في نفخِهما فطارا عُبارُه أنَّهما لا يثبت لهما أمر، وأنَّ كلامَه صلعم بالوحي الَّذي جاء(2) به يزيلُهما(3) عن موضعِهما(4) الَّذي قاما فيه، والنَّفخ دليل على الكلام، وقال الكِرْماني: مَن رأى أنَّه يطير بين السَّماء والأرض أو مِن مكان إلى مكان فإن كانت رؤياه(5) مِن الأضغاث فإنَّه كثير التَّمنِّي والفكر والاغترار بالأماني، وإن كانت رؤياه صحيحة وكان يطير في عرض السَّماء فإنَّه يسافر سفرًا بعيدًا وينال رفعة بقدر ما استقلَّ مِن الأرض في طيرانِه، فإن طار إلى السَّماء مستويًا لا يتعرَّج ناله ضرٌّ، فإن وصل إلى السماء بلغ الغاية في ضرِّه، فإن غاب فيها ولم يرجع مات، وإن رجع إلى الأرض أفاق، وقال ابن أبي طالب العابر(6): وإن كان ذلك بجناح فقد يكون جناحُه ما لا ينهض به أو سلطانًا يسافر تحت كنفِه، وإن(7) كان بغير جناح دلَّ على التَّغرير فيما يدخل فيه.
          وقولُه: (إِسْوَارَانِ) فالأكثر(8) عند أهل اللُّغة سوار بغير ألف، قال أبو عُبيدة: سِوار المرأة وسُوارها، قال أبو علي الفارسي: وحكى قُطرب إسوار، وذكر أنَّ أساور جمع إسوار على حذف الياء لأنَّ جمع إسوار أساوير.


[1] في (ص): ((ينشق)).
[2] في المطبوع: ((جاءه)).
[3] في (ص): ((نزولهما)).
[4] قوله: ((عن موضعهما)) ليس في المطبوع.
[5] قوله: ((رؤياه)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((في ضره فإن غاب فيها... ابن أبي طالب العابر)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((فإن)).
[8] في (ص): ((والأكثر)).