شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرؤيا من الله

          ░3▒ بابُ الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ ╡.
          فيه: أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ). [خ¦6984]
          وفيه: أَبُو سَعِيد: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُم الرُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإنَّما هِي مِنَ اللهِ فَلْيَحْمَدِ اللهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ(1) فَإنَّما هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا، وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّها لَا تَضُرُّهُ). [خ¦6985]
          فإن قال قائل: ما معنى قولِه صلعم: (الرُّؤْيَا مِنَ اللهِ وَالحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ) وقد تقرَّر أنَّه لا خالق للخير والشَّرِّ غير الله ╡، وأنَّ كلَّ شيء بقدرِه وخلقِه؟.
          قال المهلَّب: فالجواب أنَّ النَّبيَّ صلعم سمَّى رؤيا مَن خلَص مِن الأضغاث وكان صادقًا تأويلُه موافقًا لما في اللَّوح المحفوظ، فحسنت إضافتُه إلى الله ╡، وسمَّى الرُّؤيا الكاذبة الَّتي هي مِن حيِّز الأضغاث حلمًا وأضافها إلى الشَّيطان؛ إذ كانت مخلوقة على شاكلة الشيطان وطبعِه، وليعلم(2) النَّاسُ مكائدَه فلا يحزنون لها ولا يتعذَّبون بها، وإنَّما سُمِّيَت ضغثًا لأنَّ فيها أشياء متضادَّة.
          قال غيرُه: والدَّليل على أنَّه لا يضاف إلى الله تعالى إلا الشَّيء الطَّيِّب الطَّاهر قولُه تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} أي أوليائي، ليس لك عليهم سلطان(3)[الحجر:42]فأضافَهم إلى نفسِه لأنَّهم أولياؤُه ومعلوم أنَّ غير أوليائِه عباد الله أيضًا، وقال تعالى: {فَإِذَا َنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}[ص:72]، {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ}[الحج:26]وقال تعالى: {وَالَّذينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ}[البقرة:257]، فأضافَهم إلى ما هم أهلُه وإن كان الكلُّ خلقُه وعبيدُه {وَمَا(4) مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}[هود:56]قال المهلَّب: وإن كان المحزن(5) مِن الأحلام مضافًا إلى الشَّيطان في الأغلب، وقد يكون المحزن في النَّادر مِن الله تعالى لكن لحكمة(6) بالغة، وهو أن ينذر بوقوع المحزن مِن الأحلام بالصَّبر لوقوع ذلك الشَّيء لئلَّا يقع على غرَّة فيقتل، فإذا وقع على مقدِّمة وتوطين نفس كان أقوى للنَّفس وأبعد لها مِن أذى البغتة، وقال: (فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ) يعني بها ما كان مِن قبل الشَّيطان جعل الله سبحانَه الاستعاذة منها ممَّا يُدْفَعُ به أذاها، ألا ترى قول أبي قتادة: إن كنت لأرى الرُّؤيا هي أثقل عليَّ مِن الجبل، فلمَّا سمعت بهذا الحديث كنت لا أعدُّها شيئًا.
          وروى قتادة عن ابن سِيرين عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلعم في هذا الحديث: ((فَمَنْ رَأَىْ مِنْكُمْ(7) مَا يَكْرَه فَلْيَقُمْ وَيُصَلِّي)).


[1] في (ص): ((ذلك فأنكره)).
[2] في (ص): ((وأعلم)).
[3] قوله: ((أي أوليائي، ليس لك عليهم سلطان)) ليس في (ص).
[4] في المطبوع: ((ما)).
[5] في (ص): ((المحزون)) وكذا في ما بعدها في المواضع.
[6] في (ص): ((الحكمة)).
[7] قوله: ((منكم)) ليس في (ص).